قصر المنية.. ارث أموي غيّبته إسرائيل
تاريخ النشر: 25/11/14 | 13:13تشهد الآثار الإسلامية في الداخل الفلسطيني هجمة شرسة ومنظمة من قبل أذرع المؤسسة الاسرائيلية المختلفة ومن أبرزها “سلطة الآثار”، التي عمدت الى تغييب الارث الاسلامي وطمسه واتلافه أو هجرانه وعدم الاهتمام به وتركه عرضة لعوامل الطبيعة حتى تفتك به كما هو الحال مع بقايا حضارة الأمويين العريقة في الشام وارض فلسطين التي يعتبر قصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك واحدا منها.
يقع قصر الوليد بن عبد الملك او ما يعرف بـ ” قصر المنية ” في ” خربة المنية ” الواقعة على الضفة الغربية لبحيرة طبريا بالقرب من قرية الطابغة المهجرة، وهو واحد من خمسة قصور بناها الخليفة ذاته بمساعدة أخيه الخليفة هشام بن عبد الملك، والتي اطلق عليها البعض اسم “قصور الصحراء” او “قصور بني أمية”.
وبني قصر المنية في سنوات ( 705-714 )م، وقد ذكر باحثون ان خبراء آثار وجدوا كتابة في القصر تقول إن الأخير بني للوليد، وان الخبير الذي أشرف على بنائه هو رجل يدعى عبد الله. وقد هجر القصر بعد الزلزال العظيم الذي اصاب المنطقة في عام 749م ولم يُعاد بناؤه في الفترة العباسية التي اتخذت من بلاد الرافدين مركزا لها ، اما في الفترة المملوكية فقد استعملت أجزاء من حجارته لبناء خان المنية الواقع قرب القصر وقد اشتهرت المنطقة باسم “المنية” الى حد ان بحيرة طبريا كانت تعرف عبر التاريخ الاسلامي الى عهد المماليك باسم ” بحر المنية “، وبهذا الاسم ذكرها البلاذري والطبري وابن كثير في كتبهم، وقد سكن خربة المنية بدو من منطقة طبريا حتى تم ترحيلهم على يد السلطات الاسرائيلية بعد عام 1948.
ويقول الاستاذ عبد الرازق متاني مدير وحدة الاثار في “مؤسسة الأقصى” إنه ” عند الحديث عن قصر المنية يتبادر الى ذهني كباحث في الآثار حجم وعظم الحضارة والعمارة الاسلامية الأموية في ارض فلسطين والتي شهدت ازدهارا غير مسبوق في هذه الفترة، فنحن نتحدث عن العديد من المواقع الاسلامية العريقة التي تعود الى هذه الفترة،لكن في الوقت ذاته ينتابني الحزن والأسى لما آل اليه حال هذه المعالم التي لا تلقى العناية والاهتمام رغم اهميتها وما تعنيه من موروث ثقافي وعلمي.
وبحسب متاني فان حال قصر المنية كحال العديد من الآثار الإسلامية تُرك لعوامل الطبيعة والهجر ولصوص الآثار ليقوموا بالقضاء عليه فهو آثار من الدرجة الاولى “لا يمكن التغافل عنها، إلا أن حاله وللأسف لا يختلف عن حال باقي الآثار الاسلامية والأموية في الداخل الفلسطيني والتي تلاقي نفس المصير ؛ فالمسجد الأموي الكبير في طبريا ادعى علماء الآثار اليهود انه كان سوقا رومانية يوما ، أما المسجد الابيض في الرملة والذي هو من اعرق مساجد العالم الاسلامي ترك مهجورا لا يسمح بترميمه رغم عراقته ومركباته التي من شأنها أن تجعله مزارا سياحيا “.
ويمتاز قصر المنية بشكله المستطيل الممتد من الشمال الى الجنوب، ضلعه الاكبر بطول 73 مترا وضلعه الأصغر بطول 66 مترا. وقصر المنية، ككل قصور الصحراء الاموية، مبني على شكل قلعة حصينة في جدرانها أربعة أبراج دائرية في الزوايا وأربعة ابراج نصف دائرية في الوسط، وتم بناء القصر من حجارة بازلتية سوداء في المداميك السفلية الاساسية، ومن حجارة جيرية مستطيلة عملاقة في المداميك العليا.
جدران القصر كانت مزينة برسومات فنية، أما الأرضية والقسم الأسفل من الجدران فكان يزخر بلوحات مزخرفة بالفسيفساء والمرمر، الأمر الذي يعكس عراقة ومزايا الفن الأموي.
ويذكر الباحث الاستاذ عبد الرازق متاني في كتابه ” البناء الاموي في المسجد الاقصى ” أن مدخل القصر كان من الجهة الشرقية في اتجاه البحيرة، وعن يسار المدخل كان المسجد والقاعات المركزية، وللمسجد مدخل مباشر من الخارج أيضا.
مضيفا انه يمكن من خلال التدقيق في بناء المسجد، – الذي هو جزء لا يتجزأ من القصر -، استقراء نمط كافة البناء، فهو يقع في الزاوية الشرقية للقصر،ويحوي ثلاثة مداخل ؛الأول من الناحية الشمالية بالقرب من مدخل القصر الرئيس، والثاني في الجدار الغربي للمسجد يربطه مع القاعات، ومدخل ثالث في الجدار الشرقي للقصر يؤدي الى خارجه، وقد بنيت الطبقة الأرضية للمسجد من الحجارة البازلتية، وقد بلغ عرض حائط القبلة قرابة 14م”.
وأكد متاني على أن كل محاولات طمس وتزوير المعالم الاسلامية لن تنجح في تشويه التاريخ والحضارة الإسلامية العريقة التي اشتهرت بها ارض فلسطين.
ويرزح قصر المنية كغيره من قصور بني أمية تحت نير التغييب والإهمال الإسرائيلي منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، ففي زيارة ميدانية قام بها طاقم مؤسسة الأقصى مؤخرا كان واضحا حجم الدمار الذي لحق بالقصر جراء إهمال سلطة الآثار له، الأمر الذي تسبب في انتشار كميات كبيرة من الأوساخ والأعشاب في جنباته، فضلا عن جعله لقمة سائغة في فم لصوص الكنوز والآُثار الذين عاثوا فيه خرابا بحثا عن كنوز، والى جانب هذا كله تحاول أذرع المؤسسة الإسرائيلية إخفاء معالم القصر عن أعين الناس وحتى السياح ؛ فلم تقم بوضع لافتات إرشادية تدل على مكانه، واكتفت بلافتة صغيرة وضعت أمامه لن تصل إليها إلا بعد عملية بحث واسعة.