لماذا يا هذا (5)…."رمضانيّات"
تاريخ النشر: 17/07/12 | 8:08لوحة 1:
بدأ العدّ التنازلي، والكلّ بانتظار قدوم الضيف العزيز “رمضان”…
حمل أبو سعيد القائمة التي تعجّ بالمأكولات والمشروبات وتوجّه إلى البقالة القريبة لاقتناء أغراض رمضان… ينظر أبو سعيد إلى القائمة بحيرة وتعابير وجهه ترتجف من اكتظاظ الكلمات في القائمة من جهة، وشحّ “الميزانية” في جيبه من جهة أخرى…
جلست أم السعيد منشغلة بإعداد قائمة أخرى، تسجّل فيها أطباق شهيّة مختلفة لثلاثين يوم قادم….
في الوقت ذاته، جلس سعيد وإخوانه للحديث عن مسلسلات رمضان وإعداد قائمة يسجلّون فيها كل ما سيُبث “حصرياً” في هذا الشهر حتى لا يفوتهم كل جديد…
لوحة 2:
أبو سعيد (قبل ذهابه إلى العمل صباحاً): والله يا مَرَة… مش عارف من وين بدي أجيب مصاري… مش ملحّق! أغراض رمضان والعيد والمدارس!! كله مع بعضو!
أم سعيد: شو نعمل يا أبو السعيد… الله بعين! هذا شهر الخير بجي رزقه معه! اااه نسيت أقولك إنه خواتك الخمسة هاي السنة طالبات هدايا مُعينة عالــ “فُقدة”… كل واحدة طالبة إشي!
تنهّد أبو سعيد… ومضى إلى العمل!
في وقتٍ تقف فيه أيام رمضان الفضيلة، شهر الخير والإحسان، على أعتاب الدُخول، من الحريّ بنا أن لا نقف لاستقباله فقط من وراء تحضير المأكولات والمشروبات والموائد، بل من وَراء وقفات صدق مع ذواتنا وتحضير خلجات نفوسنا وتطهيرها، لنحرص أن تكون أعمالنا وتحركاتنا وأقوالنا في هذا الشهر بالذات لائقة بما يحمله “رمضان” من كل قُدسيّة وفضل… فرمضان ليس فقط مجرد صيام المعدة عن المأكل والمَشرب، بل صيام الجوارح والنفوس عن كلّ ما يغضب الله ولا يرضيه. فقد قال (صلى الله عليه وسلّم):”مَن لَم يَدع قوْل الزوُر والعَمل به فليسَ لله حاجة أن يَدع طعامهُ وشرابه”، ويقول كذلك: “كَم منْ صائمٍ لَيْسَ لهُ مِنْ صيامهِ إلاّ الجوُع والعطش”. وعن أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ وَجَهِلَ عَلَيْكَ فَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ “.
فمع كل تلك القُدسيّة التي يحملها شهر رمضان، الشهر الذي اختصّه الله لِنفسه وأكرم به عباده، لا بدّ أن نسأل أنفسنا لماذا أدخلنا عليه أعراف دخيلة وسلوكيّات بغيضة بعيدة كل البُعد عمّا يحمله مِن معان إيمانيّة طاهرة، فهل صلة الأرحام والتقارُب بين الإخوان مثلاً لا تحصل إلاّ بمبالغ تُثقل على الفرد وتُشغلهُ على حساب التقرّب إلى الله ، واغتنام فرص الثواب كالصلوات والصدقات والابتهال إلى الله؟ لماذا غلبت على المعاني الوجدانيّة، الأخلاقيّة والربانيّة التي يحملها “رمضان” بين طيّاته والتي أكرمنا الله بها كالتفرّب إليه جلّ وعلا، والإحساس بالآخرين ومساعدتهم، وصلة الأرحام، والإخاء والتعاون، وضبط الشهوات، مفاهيم سطحيّة تتلخًص بالجوع والعطش وتبادل الزيارات والمُسامرات ومتابعة المُسلسلات وتزيين المائِدات؟
ختاماً أقول، مُبارك علينا شهر رمضان، وأحمد الله الذي جعله موسماً للأجور والحسنات والأرباح وأسأل الله أن يعيننا جميعاً على صيامه وقيامه… وحبّذا لو اغتنمنا حقيقة هذا الشهر العظيم للتوبة والرجوع إلى الله والتقرّب إليه وشحن النفوس بالتقوى والبر والخيرات بعيداً عن التكلّف والأعراف التي نُرهق أنفسنا بها!
إلى اللقاء في حلقة جديدة من سلسلة (لماذا يا هذا) بعد الشهر الفضيل!
كُل عَام وأنتُم بألف خير…. ورمضان كريم !
سلمت يمينك، باركك المولى.
إلى الأمام …
ما أحوجنا إلى سلوكيات قويمة تقربنا إلى مفهوم العمل الخالص لوجه الله.
رمضان كريم.