هم قادمون “نثيرة”
تاريخ النشر: 01/12/14 | 11:30هُمْ قادِمونَ مِنْ هُناكَ أَرى أَشْباحَهُمْ عَلى الْأُفُقِ…
أَراهُمْ مُدَجَّجينَ بِالزَّمانِ سِلاحًا وَبِالْيَقينِ، لا شَيْءَ يُوقِفُهُمْ وَلا ظِلَّ لَهُمْ.
يَطْلُعونَ الْآنَ مِنْ خَلْفِ جِدارِ زَمانِ الصَّمْتِ الْـمُسَلَّحِ بِعَساكِرِ صَوْتِ وَقْتِ الصَّمْتِ.
يَمُرُّونَ بِنا خَلْفَ زَمانٍ مَتاريسَ حَياةٍ تُشْبِهُنا مَوْتًا، وَلا تَنْطِقُنا، فَقَدْ لَفَظَتْنا عُروقُ الثَّواني عَنْ مَنابِتِ الْفَصيحِ مِنَ حَياةِ الْكَلامِ إِلى جاهِلِيَّتِنا الْفَصيحَةِ.
يَتْرُكونَنا هُناكَ ظِلالَ وَقْتٍ وَطَيْفِ حَضورٍ ماتَ فينا وَيُتابِعونَ إِلَيْنا.
يَفيضُ اللَّا مَرْئِيُّ بِهِمْ عَلى أَرْضٍ خَرْساءِ الْكَلامِ فَصيحَةِ الْأَفْعالِ، وَيَصُبُّونَ وُجودَهُمْ زَمَنًا مُخْتَلِفًا، في كُلِّ شِبْرٍ مِنْ كَلامٍ سَيَنْمو.
تَهْتَزُّ الْأَرْضُ وَتَرْجُفُ، تُلْقي إِلَيْهِمْ أَحْمالَها فَيُوَزِّعونَها عَلى ما تَفيضُ الطُّرُقاتُ مِنْ بَشَرٍ يُشْبِهونَنا، وَيَسْتَثْنونَنا مِنَ الْقِسْمَةِ، يَقولونَ لا مَقْسومَ لِلْمَقْصومِ.
مَساءاتُهُم حَميمَةُ مَوْتٍ وافى دِماءَ مَلائِكَةٍ راقِصينَ عَلى يَأْسٍ ماتَ شَريدَ هَديرٍ دائِرِيٍّ.
تَتَسَكَّعُ الْآنَ غاوِياتُ غِواياتِ الْحَريرِ الْـمُبْتَلِّ بِكَلامِ رَفاهِيَةِ الصَّباحِ، وَتَغْتَسِلُ في أُنوثَةِ صَبِيَّةٍ أَرْهَقَها اشْتِعالُ عِشْقٍ مُسْتَحيلٍ، فَصارَتْ تُرْبَةً عَوانًا بَيْنَ بَيْنَ، يُعاقِرُها فَلَّاحُ عَصْرٍ تَوَقَّفَ عِنْدَ سَفْحِ الْأَماني، وَحَطَّ بِهِما الْعُمْرُ عَلى سَطْحِ عَصْرِ لُهاثٍ عَبَثِيٍّ.
تَنْدَلِقُ الْآنَ خَلْفَ صَوْتِ صَمْتِ اللَّيْلِ أَمْعاءُ وَقْتِنا الرَّاهِنِ وَلَهيبِ الْأُغْنِياتِ.
……
ماتَتْ أَغانينا سَيِّدَةَ الْكَلامِ وَأَصْبَحْنا صَدى الْقُبورِ الْقَريبَةِ مِنْ مَطالِعِنا.
وَلا أَرانا في إِشاعَةِ الْوَقْتِ عَنَّا، خُيولًا وَكَلامًا فَصيحَ الْأَمْرِ سَيِّدًا بَيْنَ اللُّغاتِ.
لكِنَّهُمْ قادِمونَ بِنا إِلَيْنا بِاللُّغَةِ الْحَيَّةِ الْجَديدَةِ كَيْ يَبْعَثونا مِنْ لُغَةِ الْـمَوْتى عَلى هامِشِ مَوْتِ اللُّغاتِ في اسْتِطالَةِ نَوْمِ حُروفِ الْـمَدِّ في جَسَدِ اللُّغَةِ، فَقَدْ كُنَّا نَباتَ لُغَةِ فَصْلٍ خامِسٍ شارَفَ عَلى الْخَرابِ مِنْ ثِقَلِ هَوامِشِ الْـمَتْنِ الْـمَشَبَّعِ بِالْأَسْئِلَةِ.
……..
سَيَغْسِلونَنا مِنْ إِثْمِنا الْأَوَّلِ الْـمُمْتَدِّ مِنْ بِدايَتِنا حَتَّى جَحيمِنا الْآنِيِّ، بِماءِ مَوْتِنا الرَّبيعِيِّ الْقادِمِ، لِيُطْلِعونا أَزاهيرَ لا تُشْبِهُنا، فَلا يَحْتاجونَ مَدَّ نَوْمٍ جَديدٍ، وُجوهُهُمْ صَباحٌ يَجُرُّ الصَّباحَ عَنْ جِبالِ عِنادِهِ خَلْفَ بَحْرِ الصَّمْتِ السَّاكِنِ بَحْرَ الظُّلُماتِ.
يَطَؤونَ زَعيقَ الْأَرْضِ لَدى وادي الْحُروفِ الْبِكْرِ بِما زَرَعوا مِنْ كَلامٍ بَليغِ السِّياقِ، يَفُضُّ بَكارَتَها تَلِدُ الْحُروفُ الْـمُعْجِزاتِ، يُكَوِّرونَ الْأَرْضَ وَيودِعونَها في قَبْضَةِ الْهَوانِ الْكَئيبِ وَيُفْسِحونَ الْحَياةَ لِـمَواليدِ الْحُروفِ كَيْ تَنْمو وَتَفيضَ عَلى الْأَرْجاءِ بَأْسًا وَحَضارَةً.
…….
هُمْ قادِمونَ، قادِمونَ، لَمْ يَكْذِبْ مُنْخُلُ اللَّيْلِ في سَرْدِ الصُّورَةِ وَتَفْسيرِ الشُّخوصِ، هُمْ قادِمونَ حَياةً لِـمَوْتِنا الْـمُمْتَدِّ مِنْ قَبْلِ الدُّخانِ حَتَّى انْزِياحِ الْأَرْضِ عَنْ مَعانينا فَوْقَها.
هُمْ قادِمونَ سَيِّدَتي يُرَتِّلونَ أَناشيدَ الْوِلادَةِ، فَاسْتَعِدِّي بِكُلِّ ما يَليقُ بِنا في حَضْرَتِهِمْ، وَما يَليقُ بِنَشيدِهِمْ عَلى سَطْحِ وَقْتِنا النَّائِمِ كَيْ يُفيقَ، فَقَدْ حَضَروا لِيوقِظوهُ فينا بِلادًا وَكَلامًا جَديدًا قاهِرًا عُصورَ الْكَلامِ.
…….
عَما قَريبٍ تَعودُ الْـمَدينَةُ الْعَتيقَةُ لِلَيْلِها، تَتَناسَلُ في طُرُقاتِها الْغِرْبانُ، تَسيلُ الْـمَدينَةُ مَعابِدَ بِلا روحٍ سَماوِيَّةٍ، وَيَصيرُ الْكَلامُ الْفَصيحُ فيها رَطانَةَ عُلوجِ الزَّمانِ الْخَبيثِ.
عَمَّا قَليلٍ سَيَبْدَأُ الْاِحْتِفالُ بِما يَصِحُّ وَما يَجِبُ، فَقَدْ صَحَّ الَّذي يَجِبُ، فَلا تَتَكَلَّمي الْآنَ فَالصَّوْتُ لا صَدى لَهُ في هذا الدَّمارِ، وَانْتَظِري انْتِشارَ هَواءِ الْقادِمينَ وَهُبوبَهُ عَلى مُنْحَدَراتِ الطُّرُقِ الْـمُؤَدِّيَةِ إِلى صَحيحِ اللُّغَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمي لِيَرَوْا صَداكِ وَيَلْتَفِتوا إِلَيْنا وَتَنْهَدَّ أَسْوارُ حَجْبِنا عَنَّا وَعَنْهُمْ، وَيَسْقُطَ ما عَلِقَ بِنا مِنْ طَحالِبِ الْغَيْرِ وَما قاءَتْهُ اللُّغاتُ مِنْها عَلَيْنا في زَحْمَةِ اجْتِراحِ النُّكوصِ وَالْاِنْحِيازِ إِلى سوءِ الْـمَشْأَمَةِ.
…….
وَلِلْغِواياتِ دُروبٌ وَدِرايَةٌ بِسَحْبِنا مِنَّا إِلى خَرابِ الْيَقَظَةِ، فَلا تُشَرِّعي نَهْدَيْكِ قُبالَتَها، وَخَمِّري عَنْها عُرْيَ لُغَتِنا الْـمَيِّتَةِ، وَاحْذَري أَنْ تَمَسَّكِ نارُها قَيْدَ جَمْرَةٍ فَأَموتَ، وَاشْرَبي وَتَشَرَّبي سَيِّدَتي كَلِماتِيَ الْقَديمَةَ وَفَضاءَ حُروفي الْعابِرِةِ جَسَدي في حَضْرَةِ مَوْتي الْـمُؤَجَّلِ جُمْلَتَيْنِ وَحَرْفًا وَقُبْلَةً، وَكوني اصْطِفاءَ الصَّخَبْ، كوني انْهِيارَ اللَّهَبْ، كوني عَجَبَ الْعَجَبْ، كوني انْعِتاقَ الْعَصَبْ، في انْطِلاقِهِ نَحْوَ الْـمَصَبْ، وَلا تَسْأَليني عَنِ السَّبَبْ، فَالْقادِمونَ هُمُ السَّبَبْ.
محمود مرعي