الجمع بين الصلوات بسبب المطر في ضوء المذاهب الأربعة
تاريخ النشر: 01/12/14 | 13:18إنّ الصلاة عهد وميثاق بين العبد وربّه وهي أمانة ثقيلة ورابطة متينة بحيث إذا حسنت تلك الرابطة انعكست آثارها على سلوكيات الفرد وأخلاقياته وتصرفاته.
وممّا يؤكّد ذلك ما رَواه الطبرانِيُّ عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلّم أنهُ قال: “أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ”أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (1929)، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة”(1358)، وفي “صحيح الجامع” (2573).
أي أنّ الذي لا يُصلِحُ صَلاَتَهُ من حيث الحفاظ على هيئاتها وآدابها وأركانها وشروطها دَخَلَ الخلل إلى سائرِ أعمالِهِ، ومَن كَانَتْ صَلاتُهُ تامة كاملة فإنّ أنوار وروحانية صلاته تنعكس على تصرفاته الفعلية والقولية على حدّ سواء.
ومن إمارات وعلامات المحافظة على الصّلاة ، المبادرة بها في أوّل وقتها ، ذلك أنّ في مسارعة ومبادرة العبد لتلبية أمر سيده ومولاه لدليل على عظم وشأن السّيد الآمر في قلب العبد المأمور.
قال تعالى: ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: 133] أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات ، ولا شك أنّ الصلاة في أول الوقت من المبادرة إلى الخيرات.
وأخرج البخاريّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ” سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ العملِ أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها.” أخرجه البخاريّ ، حديث (527).
لذا حرصاً على أداء شعيرة الصلاة كاملة كما يحبّها الله تعالى ورسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه وحسماً للفوضى والإضطرابات الفقهية التي نراها في مساجدنا في فصل الشتاء فإنّ هيئة المجلس الإسلامي للإفتاء في الدّاخل الفلسطيني ارتأت أن تضع بين يدي الأئمة الكرام الذّين بهم يصلح الدّين ويوحد أمر المسلمين هذه الخلاصة الفقهية بخصوص الجمع بين الصلوات في فصل الشتاء في ضوء المذاهب الأربعة سعياً في توحيد صفوف المسلمين وتأدية الصلاة على أتمّ وجه وأكمل حال مرضاة لربّ العالمين:
أولاً:حكم الجمع بين الصّلوات بسبب البَرْد بين الظهر والعصر:
اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين الظهر والعصر.
ثانيا: الجمع بين الصلوات بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء:
اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بسبب البَرْد بين المغرب والعشاء.
ثالثاً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة:
اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب الرياح الشّديدة والوحل والطين والظلمة.
رابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرياح شديدة:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الرّياح الشّديدة.
خامساً: حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر:
انفرد المذهب الشافعي بجواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولو كان يوم جمعة بشروط وقيود شديدة يجب الإلتزام بها وعدم التفريط بشرط منها ، وإلاّ حرم الجمع وبطلت الصلاة بالإتفاق لأنّها لا تستقر حينئذ على مذهب فقهي ، ومع ذلك نصّ المذهب الشافعي على عدم استحباب الجمع بين الظهر والعصر ولو توفرت الشروط خروجاً من خلاف الجمهور.
حيث قد اشترط الشافعية للجمع بين الظهر والعصر: أن يكون المطر موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما (أي الظهر والعصر) وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية ولا يضر انقطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما.
وصفة المطر الذي يبيح الجمع عند الشافعية هو ما يبلّ أعلى الثوب أو أسفل النعل ومثل المطر الثلج والبَرَد.
وبناءً على ذلك فما يفعله بعض الأئمة من الجمع بسبب البرْد والريح والمطر المتوقع بين الظهر والعصر فإنّه لا يصح اتفاقاً.
سادساً: حكم الجمع بين الظّهر والعصر بسبب المطر المتوقع:
اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز الجمع بين الظّهر والعصر بسبب مطر متوقع.
سابعاً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر والثلج والبَرَد:
يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب (المطر والثلج والبَرَد) عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على تفصيل واختلاف بينهم في صفة المطر وشروطه:
أ. أمّا بالنسبة لمذهب السادة الشافعية بخصوص الجمع بين المغرب والعشاء فإنّها نفس شروط الجمع بين الظهر والعصر كما سبق بيانها آنفاً.
ب. أجاز المذهب الحنبلي الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر الذي يبلّ الثياب ويترتب عليه حصول مشقة ، شريطة أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى ، ووجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما (أي عند تكبيرة الإحرام في الصلاتين) وعند السلام من الأولى ، ومثل المطر والثلج والبَرَد.
ج. أجاز المذهب المالكي الجمع بين المغرب والعشاء خاصةً بسبب مطر غزير يحمل أواسط النّاس على تغطية رؤوسهم ، ولا يشترط عند المالكية وجود المطر أول الصلاتين كما اشترطه الجمهور.
ثامناً: حكم الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع:
انفرد المذهب المالكيّ بالقول بجواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب مطر متوقع وذلك إن توقع نزول مطر وابل (غزير) قبل دخول وقت العشاء فإن لم ينزل المطر قبل العشاء فإنّه ينبغي إعادة الصلاة ، ويرى المجلس الإسلامي للإفتاء عدم الأخذ بهذا القول لما قد يترتب عليه من إرباك واضطراب.
تاسعاً: حكم الجمع بسبب الوحل والظلمة والطين بين المغرب والعشاء:
لا يجمع بين المغرب والعشاء بسبب الوحل والطين والظلمة وهذا مذهب الحنفية والشّافعية ، وذلك لأنّ هذه الأسباب ليست موجودة في حياتنا اليومية من ناحية ونظراً لصيانة الشوارع في القرى والمدن وانتشار الإضاءة فيها من ناحية أخرى.
هذا ويوصي المجلس الإسلامي للإفتاء الأئمة الكرام سعياً لتحقيق الوحدة الشّعائرية في العبادة وحسماً للفوضى والتهاون في ركن الإسلام الأعظم بما يلي:
أولاً: نوصي الأئمة بعدم تتبع الرّخص والفتاوى الفردية التّي تخالف ما درَج وعاش عليه سلفنا على مدار قرون من الزّمان.
ثانياً: نوصي الأئمة بالتيسير والتّوسعة على النّاس ومراعاة أعرافهم وما عمّت به البلوى واشتدت إليه الحاجة في نطاق المذاهب الفقهية الأربعة.
ثالثاً: نوصي الأئمة ببثّ روح الورع والتقوى والأخذ بالعزائم لدى المأمومين ، عملاً بالقاعدة الفقهية: ” الخروج من الخلاف مستحب ” مع مراعاة مبدأ الحكمة والرّفق واللّين.
رابعاً: نوصي الأئمة بحثّ وشحذ همم المصلين على أداء الصلاة بوقتها الأصلي من خلال الخطب ومجالس الوعظ والمحاضرات مع التوضيح للنّاس بأنّ الجمع ليس مندوباً ولا مستحباً بل هو في أحسن أحواله خلاف الأولى بالإتفاق.
خامسًا: نوصي الأئمة بالتّواجد في وقت الصّلاة المجموعة الأصلي أو توكيل مؤهلٍ بالإمامة إن تعذر عليه الحضور.
وأخيراً نؤكّد على الإخوة الأئمة بعدم التهاون بمسألة الجمع بين الصلوات ولحسم باب الفوضى ينبغي ألاّ يجمع بين الصّلوات إلاّ إذا وجد المطر عند افتتاح الصّلاتين بالنسبة للظهر والعصر وعند افتتاح الصلاة الأولى بالنسبة للمغرب والعشاء ، فإن كان المطر قبل ذلك ثمّ توقف قبل الشّروع فيها فلا جمع بالإتفاق.