حكم قتل الحيوان بدافع الرحمة

تاريخ النشر: 09/12/14 | 11:28

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد حفظ الإسلام للحيوان حقه في الحياة فلا يعتدى عليه إلا إذا كان مؤذياً يُخشى منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمسٌ من قتلهن وهو حرام فلا جناح فيهنّ: العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحديا). [رواه مسلم (1199)].
أو كان مما يستفاد منه في مأكل أو علاج أو منفعة أخرى، لذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أي حيوان دون سبب مشروع أو عذر مباح فقال: (ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها)، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: (يذبحا فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي بها). [رواه النسائي (7/207)، والحاكم (4/233) (7574) وصححه ووافقه الذهبي].

وكذلك نهى عن اتخاذ الحيوانات غرضاً أو التحريش بينها، كاتخاذها هدفاً للتدرب عليها في الرمي، فهذا ابن عمر – رضي الله عنهما – يمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من اتخذ شيئاً مما فيه الروح غرضاً). [رواه مسلم (1958)].

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم. [رواه مسلم (1956)].

قال النووي – رحمه الله تعالى –: ” قال العلماء: صبر البهائم: أن تحبس وهي حيّة لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى: لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً، أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضاً ترمون إليه، كالغرض من الجلود وغيرها، وهذا النهي للتحريم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر بعد هذه: (لعن الله من فعل هذا)، ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى “. [شرح صحيح مسلم (7/121)].
وحثّ على الإحسان في قتل الحيوان عند قتله فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته). [رواه مسلم (1955)].

وأجاز المالكية قتل الحيوان بدافع الرحمة: قال الدردير في شرحه على مختصر خليل: ” كذكاة ما لا يؤكل لحمه كحمار أو بغل إن أيس منه فيجوز تذكيته بل يُندب لإراحته “. [2/368]. وقال الدسوقي في حاشيته: ” أي أيس في الانتفاع به حقيقة لمرض أو عمى، أو حكماً بأن كان في مغارة من الأرض لا علف فيها ولا يرجى أخذ أحد له “. [2/368].
والذي نراه أن ترسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان إن وُجدت لتقوم برعايتها والانتفاع بها، فإن تعسر ذلك نرى جواز قتل الحيوان المأكول لحمه عند العجز من القيام بحقه من إطعامه أو علاجه أو يصبح الإنفاق عليه ضرباً من إضاعة المال، أو انتقال المرض إلى غيره، أو إلى الناس كالطيور التي تصاب بالأنفلونزا، أو صغار الدجاج المرضى أو الضعيفة التي في تربيتها أو الإبقاء عليها ضرر محض. وأما الحيوان الذي إذا كسر لا يجبر فمثل هذا يذكى ويوزع على المحتاجين والفقراء وينتفع بكل شيء فيه يمكن الانتفاع منه كحصان كسرت رجله ولا أمل في شفائه، فلا يُقتل عبثاً بل يُذكى ويوزع لحمه على المحتاجين لأنه مأكول اللحم.

وأما الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فلا حرج في قتلها عند عدم القدرة على المحافظة عليها أو علاجها أو إطعامها وإسقائها أو رفضها تقبل العلاج أو الإنفاق عليها من غير طائل؛ فلا بأس بقتلها وتوزيعها على الحيوانات في حديقة الحيوانات مثلاً.

كل هذا بشرط الإحسان في القتل وتجنب إي لون من ألوان التعذيب والأذى، ولا تلقى في الطرقات فيتأذى الناس برائحتها، ولا تقدم طعاماً للحيوانات المفترسة وهي حية، وبذل الجهد في الانتفاع بها ما وجد إلى ذلك سبيلاً كالانتفاع بجلودها أو عظامها أو غيرها، لأن غير ذلك من تضييع المال الذي نهى عنه الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، وضع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). [رواه البخاري (2408)].

04

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة