حتى الحيتان في البحر تستغفر لصاحب العلم
تاريخ النشر: 04/12/14 | 9:12لو أنَّنا أمعنَّا النظر في عالمِنا الدُّنيويّ هذا، لوجدناه مليئاً بالمواقف والأحداث التي يشيب لها العمرُ، وفي لحظةٍ معيَّنة قد يقفُ الإنسانُ صامتاً مسترجعاً شريطَ أعمالِه، ولكن –للأسف-في وقتٍ لا يقدر فيه على أن يرجع للوراء ويعيش أيامَه من جديد..
علماءٌ كثُرٌ جابوا الأرض وكانت نهايتهم واحدة.. فتحت التراب طُمِروا دون أن ينفعهم علمهم في شيء.. وأناسٌ كثرٌ غيرهم تفقهوا في العلم، علم الدين وعلم الدنيا وتعلموه فكانوا الأكثر خشيةً للهِ وخنوعاً..
فما هو العلم المفروض على الإنسان تعلّمه؟ وهل يكتفي بما تُدليه عليه الكتب الدنيوية من علوم مختلفة؟ وهل من حدّ معين يقف عنده الإنسان في التعلّم؟
فلسطين التقت الدكتور محمد العمور أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة الأقصى ليجيبنا عن تلك الأسئلة وأعدت الحوار التالي:
“العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة”.. فأي علمٍ هو المقصود في هذا الحديث؟ يقول د. العمور:”العلم يبقى على عمومِه ما لم يَرِدْ ما يخصِّصُه، والمراد في “العلم” في هذا الحديث هو كل علمٍ تنتفع به البشريَّةُ، وإن قسَّم العُلماءُ العلومَ ما بين الفرض الواجب “فرض العين”، والفرض الكفاية”.
الحدّ الأدنى من الفرض ويضيف:”هناك حدٌّ أدنى من العلوم الشرعيَّة التي يجب على كلّ فردٍ أن يتعلَّمها وهي تلك العلوم التي يؤدُّون بها عباداتهم كما أمر الله عزَّ وجلّ” ويضرب على ذلك مثلاً بسيطاً بقوله:”الصلاة لا تصحّ إلا بقراءة سورة الفاتحة قراءةً صحيحةً، فلو أنَّ أحداً ضمّ التاء في “أنعمتَ” فلفظها “أنعمتُ” ، فإن الصلاة تبطُل ويؤثم عليها الإنسان”، وفي ذلك تدخل أمورٌ كثيرةٌ تتعلق بالصلاة والصيام والطهارة والزكاة..إلخ، وهي التي تُعدّ فرض عين ووجَبَ على كلِّ مسلمٍ أن يتعلمها ويتثقف بها”.
أما بخصوص العلوم الدنيوية كعلم الاجتماع والطب والهندسة وغيرها.. فهي (فرض كفاية) بمعنى أنه لو قام (بعضُ) المسلمين بتعلمها كَفَت، بينما إن لم يقم (أحدٌ) بتعلمها أثِم (الجميعُ) حسب د. العمور.
د. العمور: العلوم الشرعية “فرض عين”، بينما علوم الدنيا “فرض كفاية”
فضل العلم أما عن فضل العلمِ فثوابُه باقٍ وأجره عظيم، وحول هذا يقول د. العمور:” “إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، مُتبِعا:”بالعلمِ يزدادُ إيمان الشخص، خاصة إن اقترن بالعلم الشرعي، فهو نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، بل بصر القلوب إذ قال تعالى:” فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”، ويكفي أن العلم يورث الخشيةَ من الله تعالى فالله جلّ وعلا يقول:”إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ “، وقال أيضاً : ” إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا”.
ويواصل د. العمور:” وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب”، مضيفاً:”وقد أمرنا جلّ وعلا _أيضاً_ بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم، أن قال الله تعالى:”وقل رب زدني علمًا”.
ومما لا جدال فيه ولا اختلاف أن العلم مقدَّم على العبادة حسب د. العمور الذي ذكر حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله:”فضلٌ في علمٍ خيرٌ من فضلٍ في عبادة”، و “فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم”.
كل شيء يستغفر له مضيفاً:” ويكفي صاحب العلم فضلاً أنَّ الله يسخر له كل شيء ليستغفر له ويدعو له إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر”.
وما بالنا بإشراقة وجوه العلماء ونضارتها؟ يقول د. العمور:”إنّ أهل العلم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى هم أنضر الناس وجوهًا، وأشرفهم مقامًا ، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم:” نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه، رب حامل فقه إلى من هو أفقه”.