المدونــــة التـاسعــة عشرة البديل من العبريــــة
تاريخ النشر: 26/07/12 | 5:25אִשְׁפּוּז= استِـشْـفـاء
שִׁחְרוּר= تَـسْريــح
بعد حسن الدعاء لكم بالعافية، فإننا نصغي إلى ألفاظ אשפוז, מאושפז, אשפזו, שחרור, שחררו-
وبالطبع نتساءل: أين لغتنا؟
حاولت أن أستقصي الألفاظ القديمة في تاريخنا الاجتماعي، فوجدت الفعل آوى، عالج، داوى والمكان مأوى، والأفعال: أبلّ، نقه، استجم، برئ، وكلها لا تؤدي ما نقصده اليوم تمامًا من سيرورة الاستقبال والتسجيل والعلاج والمتابعة والتسريح.
كما أن الاسم المستخدم للمشفى كان لفظة فارسية: بيمارستان= مكان المريض (بيمار في الفارسية مريض، وأحيانا كانوا لا يلفظون الباء والياء اختصارًا= مارستان).
اللغة العبرية وجدتْ حلاً للمشكلة، فاستقته من الآرامية אֻשְׁפִּיזָא، فاشتقوا من الكلمة ألفاظًا كثيرة. ثم عرفنا اللفظة الإنجليزية hospital وما استخدمه آباؤنا من لفظة تركية محرفة عن اللغات الأوربية- (اسبتار، وبعضهم يلفظها اسبتال).
حاولت أن أدرس معاني (النِّزالة، االاستطباب، الاستمراض، الاستعلاج، الاستبراء)، وأبحثها في كل دلالاتها، فما ارتضيت واحدة منها بديلاً أو ترجمة لـ אִשְׁפּוּז، وذلك لسبب أو لآخر.
في الدول العربية غالبًا ما يستعملون اليوم (استقبال المرضى)، و(تسريح المرضى)، وبالطبع فالاستعمالان صحيحان.
لكني أفضل أن نستخدم نحن هنا لفظ الاستشفاء بسبب ضرورة التصريف للفظة العبرية אִשְׁפּוּז، والتصريف مهم جدًا، فالمريض مُـسْــَـشْـفٍ (المستشفي= מאושפז) أي نزيل، وهذا التعبير صحيح، وملائم عندما يكون صفة مشبهة فقط، وكأنه ضيف تشبيهًا.
أقول: الاستِشْفاء، وقد استَـشفَـوْه= אשפזו אותו قبل أيام، حيث اسُـشْفـيَ= אושפז وما لبثوا أن سرّحوه= שחררו אותו . فالتسريح في المعاجم هو الإرسال والإطلاق.
ملاحظة للغويين: أعرف أن الفعل استَـشفَى هو لازم أو قاصر، ولكن اللغة العربية جعلت كثيرًا من اللازمة متعدية، وهذا مبحث طويل، ولن يكون فعلي بدعًا، فاستقصوا ولن تعدموا نماذج.
ولرب سائل يسأل: ما سبب استخدام مَـشْـفى في سورية بدلاً من مستشفى؟
وإجابتي: أنهم على سبيل التيمــُّن سيجدون الشفاء، فالمشفى هو مكان الشفاء.
(في هذا السياق: ندعو لك يا سورية أخلص دعاء، يا شامنا ليمنّ الله عليك بالشفاء!)
أما المستشفى فهو المكان الذي يطلبون أو يستدعون فيه الشفاء، فالمشفى أكثر تفاؤلاً واللفظة أخف وزنًا. ولك الخيار في أي لفظ منهما، وتبقى عليك واجبة عيادتك للمرضى، وهذه سنّة، فاغتنم فضلها!
ولمحبي الاستطلاع أضيف:
أول من بنى البيمارستان (دار المرضى) في الإسلام هو الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (ت. 715 م)، ثم جاء البرامكة وأسندوا البيمارستان إلى طبيب هندي، ويحكى عن طاهر بن الحسين أنه كتب إلى ابنه:
“وانصب لمرضى المسلمين دورًا توقيهم، وقُوّامًا يرفقون بهم، وأطباء يعالجون أسقامهم”.
في مصر بنى أحمد بن طولون أول مارستان كبير، وكان يركب بنفسه ليتفقد كل يوم جمعة المارستان والمرضى، وقد جعل في المسجد (؟!) خزانة شراب، فيها جميع الأشربة والأدوية وطبيب يجلس يوم الجمعة للعلاج.
ولمن يحب الاستزادة فعليه بالبحث عن شخصية سنان بن ثابت في المصادر، وعن المارستان المقتدري. ولكني لن أتنازل عن تعريفكم بما أمر به المقتدر سنانًا أن يمتحن الأطباء، حيث امتحن سنان ثمانمائة ونيفًا وستين، يبدأ امتحانه سائلاً بهذه اللطافة المدهشة:
“اشتهيت أن أسمع من الشيخ شيئًا، أحفظه عنه، وأن يذكر من هو شيخه في الصناعة”.
انظر: آدم متز، الحضارة الإسلامية، المجلد الثاني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967، ص 459.
للتذكير ونحن في باب الطب أرجو ألا ننسى ما ذكرناه سابٌقًا أن الكَـثـْتَـرة هي צינתור، وأن النَّظّــام هو קוצב ، وأن الوُقــاع (سموه مرض الصرْع؟) هو אפלפסיה.وقد شرحت ذلك، فمن أحب فليعد لفحص المبرر في كل منها.
הבראה= استـِجْـمـام
في هذه الأيام يحصل العاملون على منحة استجمام، وهي علاوة قد تتيح لهم لأن يذهبوا إلى أماكن الاستجمام ليستجمّوا.
وإذا احتاجوا إلى الاستراحة وإلى اعتماد الصحة فهم يتوجهون إلى دور النقاهة أو إلى المصحات.
أرجو لكم عطلة ميمونة!
تعليق قارئة:
كل الاحترام لك، فأنت مبدع كعادتك دائمًا، وتسعى دومًا للبحث عن الأفضل والأسرع والأقرب إلينا من كلمات بدلاً من اللغة الدخيلة. مع ذلك فإني أقترح أيضًا قبول كلمات عبرية دارجة جدًا بيننا وتهجينها، بحيث تصبح عربية مأخوذة من اللغة العبرية، ما رأيكم؟
سمورة 13/7/2012
إجابتي:
تحيات!
تـلاحظين أن أكثر المعلقين يعيبون علي استعمال الأساليب العبرية في إيجاد البديل من الألفاظ العبرية. مبدئيًا فإن هذه الصفحات لا ترفض أي أسلوب من أية لغة، ولكنها تعمد إلى رفض الألفاظ العبرية في نسيج جملنا العربية، فأنا لا أرى بأسًا أن أستضيف لفظة عبرية شائعة لها مثيل في العربية جذرًا وصوتًا، مثل أزْكيتُ الحساب مقابلاً لي זיכּיתי החשבון، ومثل رُؤان ترجمة لـ ראיון، فإن ارتأيت أنت قبول كلمات غير ذلك، فاذكري بعضها، ولم، وما المبرر لك غير شيوعها؟
ذلك لأن الشيوع وحده لا يكفي، فشبابنا لا يكادون ينطقون جملة عربية صافية، دون أن يقحموا فيها لفظًا عبريًا، أو أكثر، والذين يحسنون العربية قلائل في هذا العصر الأغبر.
نحن لا ننفي أن العربية الفصيحة أخذت ألفاظًا عبرية قديمة، مثل التلمود والحاخام والسبت والفصح، بل أسماء أنبياء بني إسرائيل كلها من لفظ عبري، فهذا الاقتباس طبيعي، وعادة يجري في كل لغة من وإلى، لكن هذا الموضوع لا يبرر أن نستقبل اليوم (كرطيس، حفرا، مونيت ورشوم وشلاط وتلوش وبيطواح)- مهما قويت وهيمنت- وإلا فستجد أن العربية ستنسحب وستتراجع رويدًا رويدًا ما دامت السيطرة الاقتصادية في إسرائيل هي للغة العبرية.
مرة أخرى أعيد:
لاحظت -مع الأسف- أن هناك من يفخر باستخدامه ألفاظًا عبرية في نسيج كل كلمتين أو ثلاث، وكأنه يقول للمستمع- وبنوع من الكبرياء؟: أنا أعرف العبرية، فأنا شخص مختلف!
أسأل بأمانة: هل هذه الظاهرة قليلة؟؟!!
وأسأل: هل تم غزو على نفسية هؤلاء؟!
أحييك أستاذي الفاضل على جهودك المستمرة والتي أتابعها
مدونة مدونة وبدأت استعمل بعضها في تواصلي اليومي مع الناس وأفسرها لكل من يستهجن اللفظ الجديد وهذا من باب نصرة العربية لغة القرآن ومن باب تشجيع تطور اللغة وانمائها أدام الله عليك عافيتك وبصيرتك ودمت ذخرا للغة القرآن وآجرك الله على اجتهادك ورمضان كريم
أستاذي العزيز
هل البيمارستان هي التعبير الصحيح ؟ وهل معناها دار المرضى بالفعل ؟ ومن أية لغة هذه اللفظة ؟
شرحت يا صديقي، والجواب أعلاه، :
“كما أن الاسم المستخدم للمشفى كان لفظة فارسية: بيمارستان= مكان المريض (بيمار في الفارسية مريض، وأحيانا كانوا لا يلفظون الباء والياء اختصارًا= مارستان).
تجد ذلك في كثير من المصادر منها كتاب غرائب اللغة لرفائيل اليسوعي وكتاب متزالذي أثبته أعلاه. تحية!