أتلفتنا يا أستاذ قرض
تاريخ النشر: 08/12/14 | 9:15مَن منّا لم يعرف الأستاذ قرض؟ من منا لم يسمع عن الاستاذ قرض؟ من منا لم تصبه بلوى الأستاذ قرض؟ بالطبع الكل يعرفه! بعد أن كان العديد منّا لم يكن يحتاجه في الماضي السحيق، العديد منا كان دخله يكفيه لشراء مستلزماته، كنا نبتعد عنه ونتحاشاه، إلاّ القليل منّا كان يحتاجه.
واليوم تبدل الحال، من حال إلى حال، وسبحان من له الدوام، أصبح القلة منّا هي التي لا تحتاجك يا أستاذ قرض.. أصبح الجميع يخطب ودّك.. أصبح الجميع يحتاجك لشراء مستلزماته…أصبحت ضروريًّا لفك الكرب المالية، أصبحت جزءًا من التركيبة الاجتماعية، وكأنك فرد من أفراد مجتمعنا… لقد أصبح الأستاذ قرض شر لابد منه… تأبط شرا… لابد ممّا ليس منه بدُ… عدو يرتدي عباءة صديق…
تزيّنك البنوك لنا.. تسمّيك بأسماء مختلفة جذّابة لاستدراجنا، تارة بالفائدة وتارة أخرى بالتمويل، وتارة بالربح وأخرى بالدخل، والحقيقة أنها فوائد ربوية، ولو اختلفت مسمّياتها يا أستاذ قرض، فتغيير اسم القرض الربوي إلى هذه المسميات، لا يُغير شيئاً من حقيقة الربا المحرم، وتلاعب الناس بالألفاظ في المعاملات لا يؤثر على حقيقتها شيئاً، لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.
لا ننكر أننا نفرح عند حصولنا عليك يا أستاذ قرض، ونعلم جلياً أنك تنظر إلينا مبتسمًا، وكأنك تقول لنا: ” أنتم لا تعرفون ماذا سيحدث لكم بسببي”؟ بل نعرف يا أستاذ قرض، نعرف أنك تلتف حول أعناقنا، وسنسددك مغصوبين.. حتى لو تُباع ممتلكاتنا لتسديدك، وإذا لم تكفِ فلن ترحمنا الجهة المقرضة، ستشتت شملنا وأسرنا بأكملها دون أن يهتز لها جفن.. وتفتح أبواب المحاكم، المهم هو تسديدك بفوائدك الربوية.. نعم كلنا يعلم ذلك ولكننا نحتاجك.. لأنه ما باليد حيلة..!
أتعلم يا أستاذ قرض أن سبب حاجتنا لك هو غلاء المعيشة؟ ولكن ما هو سبب غلاء المعيشة؟ هل هو الفساد؟ أم زيادة الأسعار العالمية كما يردد تجارنا؟ أم هو جشعهم فقط؟ أم احتكار المتنفذين للعديد من السلع؟ أم كل ذلك؟!
لا داعي لإثارة أسئلة أسباب الحاجة لك يا أستاذ قرض حتى لا نُغضب أحدًا، ولكن أليس من المهم أن نناقش الحلول للحد من انتشارك بعد أن أصبحت كالسرطان في مجتمعنا، وأصبحت تهدد استقرار أسرنا؟ أليس من الضروري أن نأتي بالبديل المتاح شرعاً؟…
أعلم أن ما قلته لم يرق لك يا أستاذ قرض، ولا للبنوك أو أي جهة مقرضة، فأنتم كالبراغيث التي تتغذّى على دم الشاب المسكين، وتحققون أرباحكم باستغلال حاجته، وأعلم أن لسان حالك يقول باستهزاء: ” تحتاجون لي، وتشتمونني..! ولكن هيهات، فليلكم طويل للاستغناء عني.. ولحين أن تجدوا حلاً لانتشاري فسأستمر في تضييق الخناق على أعناقكم”.
لنا وقفة مع بدائل القرض الربوي المنتشر في مجتمعنا كهشيم النار، والذي نخر اجسادنا نخرا… وأتلف أسرنا تلفا..
وفي نهاية هذا المقال نتوجَّه إلى الله بالدُّعاء أن يَهدِيَنا جميعًا سواء السبيل، وأن يجمع على الحقِّ خُطانا، وأن يُعطِيَنا القوَّة للتغلُّب على حالة اللامُبَالاة التي أصابَتْنا، ليس فقط في ديننا، وإنما في سائر أحوال حياتنا.
د. أنس سليمان أحمد