طلاس مرشح من لرئاسة سورية؟
تاريخ النشر: 30/07/12 | 6:57السيد وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني المعروف، اوجد لنفسه اكاديمية سياسية خاصة به، ابرز عناوينها التقلب في المواقف، من النقيض الى النقيض في بعض الاحيان، وهذا امر لا يعيبه، فالسياسة هي فن التعايش مع المتغيرات على الارض، وفي حالته كزعيم لأقلية مذهبية، فإن الحفاظ على مصالح الطائفة يتصدر اولوياته، ويشكل همّه الأكبر.
في حديثه الذي ادلى به الى محطة تلفزيون ‘بي. بي. سي’ العربية، وجرى بثه ليلة امس الاول، فجّر السيد جنبلاط كعادته في مقابلاته قنبلة سياسية وصحافية من العيار الثقيل عندما اجاب في سؤال عن رأيه في انشقاق العميد مناف طلاس بقوله انه كان عليه ان يذهب الى مدينة الرستن في حمص، حيث اهله واقاربه وينضم الى الثوار المدافعين عنها، على المغادرة الى باريس.
كلام السيد جنبلاط يحمل وجهة نظر تستحق التوقف عندها لتأمل حاضر الوضع السوري ومستقبله، والمخططات التي تطبخ على نار هادئة في غرف مغلقة، بينما تشتد حدة المواجهات الدموية وترتفع اعداد القتلى والمهجّرين من ابناء الشعب السوري.
الثورة، اي ثورة، ومثلما علمتنا دروس التاريخ، من المفترض ان تأتي، في حال نجاحها، بقيادات جديدة من رحم المعاناة والتضحيات، وتحدث تغييرا سياسيا واجتماعيا شاملا على كافة الصعد والمستويات، وان تؤسس لنظام جديد بوجوه جديدة.
ولعل ما هو اهمّ من كل ذلك، هو ان يختار الشعب، اي شعب كان، قيادته الجديدة التي من المفترض ان تعبّر عن طموحاته في التغيير الذي ثار من اجل فرضه، فالقيادات الثورية التي غيّرت مجتمعاتها على مرّ العصور كانت دائما شابة طموحة، انبثقت من وسط الشعب، وقادت المقاومة منذ ايامها الاولى، ولدينا امثلة عديدة مثل نابليون وشارل ديغول، في فرنسا، ونيلسون مانديلا ونكروما في افريقيا، وغاندي ونهرو وسوكارنو في آسيا، وجمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم في الوطن العربي، والقائمة طويلة.
اللافت، ومن خلال متابعة عملية الإعداد النشطة والمكثفة، والحفاوة البالغة التي قوبل بها انشقاق العميد طلاس ان هناك جهات عديدة تريد منذ الآن فرضه على الشعب السوري، ودون استشارته (اي الشعب)، كزعيم المستقبل الذي يجب ان يلتف الجميع حوله.
‘ ‘ ‘
هناك عشرات وربما مئات العمداء في الجيش العربي السوري، وبعض هؤلاء انشقّ فعلا عن النظام في بداية الانتفاضة، ولكن هؤلاء لم يستقبلهم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولا احمد داوود اوغلو وزير خارجية تركيا، ولم تطأ اقدامهم باريس، ولم يعلن وزير الخارجية الفرنسي فابيوس وصولهم بطريقة دراماتيكية اثناء انعقاد اجتماع اصدقاء سورية.
ما هي المؤهلات التي تجعل العميد مناف طلاس مميزا عن غيره من العمداء او الألوية في الجيش السوري بحيث يحظى بكل هذا الاهتمام ومن قبل المملكة العربية السعودية واجهزة اعلامها على وجه الخصوص بحيث تكون اول اطلالة له على قناة العربية، واول حديث له لصحيفة سعودية؟
العميد مناف طلاس لم يخض اي حرب ضد اسرائيل او غيرها، كما انه غير معروف بتفوقه العسكري وبطولاته الميدانيةن كل ماهو معروف عنه انه ابن وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس الذي امضى معظم حياته في ظل الرئيس الراحل حافظ الاسد، وكانت علاقته بالجميلات من الفنانات العالميات اكثر من علاقته بالفنون العسكرية او وحدات الجيش العربي السوري، وكان من ابرز الشخصيات التي باركت التوريث ووصول الرئيس الحالي بشار الاسد خلفا لابيه.
العميد طلاس وسيم، ويضاحي نجوم السينما العالمية في وسامته، وليس لدينا اي شك في ذلك، وابرز انجازاته انه كان صديقا مقربا للرئيس بشار الاسد منذ ايام الدراسة الابتدائية، وتولى منصب قائد الفرقة 105 في الحرس الجمهوري السوري.
فهل هذه هي المواصفات المطلوبة في رئيس سورية الجديد التي تزكيه وتميزه عن غيره من ابناء العائلات السورية التي قدمت آلاف الضحايا والشهداء في الانتفاضة التي اندلعت قبل 16 شهرا للمطالبة بالتغيير الديمقراطي؟
العميد طلاس قال انه كان معارضا للنظام الديكتاتوري الفاسد منذ اكثر من سنه، ولا نجد ما يجعلنا لا نصدقه، وقد يكون الحال كذلك فعلا، ولكن هل ديكتاتورية النظام وفساده وليدتا الامس، ومنذ اندلاعة الانتفاضة فقط؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة ايضا وهو عن الكيفية التي غادر فيها سوريةن ونجح في الوصول الى بر الامان في باريس حيث والده وبقية اهله (شقيق وشقيقه)، فهل شاركت قوات او اجهزة مخابرات فرنسية او غربية اخرى في تهريبه؟
العميد طلاس وفي مقابلته الصحافية الاولى منذ انشقاقه، رفض الحديث عن كيفية هروبه، ولم يكشف مطلقا عن عملية تهريبه وعبر اي منفذ حدودي، ولغز تضليل اكثر من 17 جهاز مخابرات من المفترض ان تكون تتابع تحركاته وتتوقع انشقاقه طالما انه اعتكف في بيته احتجاجا.
‘ ‘ ‘
القفز من السفينة الغارقة، او التي هي في طريق الغرق حسب آراء او حسابات القافزين، امر متوقع، خاصة اذا كان هؤلاء تعودوا على الرفاهية. والتنعم بالمناصب العليا، في اندية السلطة الضيقة العضوية، وان ينجو هؤلاء بارواحهم ايضا من الامور غير المستغربة، لكن ان يقفز هؤلاء الى سدة الحكم، ويتجاوزون الكثيرين الذين فجروا الانتفاضة لوضع حد للظلم والاضطهاد واحتكار السلطة من قبل فئة محدودة اسرة طلاس هي جزء اساسي من نواتها، فهذا امر يستعصي على الهضم.
فاذا كان الشعب السوري الذي قدم حتى الآن اكثر من عشرين الفا في مسيرته للتغيير الديمقراطي سينتهي برئيس من ابناء النظام القديم تشرف على اعداده وتهيئته المطابخ نفسها التي تسلح الجيش السوري الحر وتموله، فلماذا قدم الشعب السوري كل هذه التضحيات اذن.. لكي يعود الى الوراء؟
الشعب السوري ينتفض ضد عائلة الاسد، ويريد الاطاحة بها حسب شعارات مظاهراته الاحتجاجية وتصريحات قادة القوات المسلحة التي تقاتل باسمه، هذا واضح، ولكن هل يريد استبدال عائلة باخرى صديقة لها وموالية لحكمها لاكثر من اربعين عاما.. فاذا كان الحكم يمكن ان يورّث، فهل التغيير الذي ضحى من اجله الشعب السوري يمكن ان يتأتى من خلال استبدال عائلة في الحكم باخرى موالية لها؟
السيد جنبلاط اعترض على ‘ترؤس’ العميد طلاس لانه ينحاز الى صديقه عبد الحليم خدام الذي خدم اسرة الاسد لاكثر من اربعين عاما، وابتلع كرامته وعملية التوريث التي تجاوزته بطريقة مهينة وهو الذي كان نائيا للرئيس والمؤهل الاكبر للرئاسة، ولكن اعتراضنا نابع لاسباب اخرى مختلفة وهي التدخل الخارجي في اختيار القيادات الجديدة حسب المواصفات الغربية ومحاولة فرضها على الشعب تحت مسميات واعذار عديدة مما يشكل نسفا لكل الادعاءات حول الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة والعدالة والاختيار الشعبي الحر.
نخشى على سورية من مخططات من يدعون صداقتها والحرص عليها، مثلما نخشى على الشعب السوري من الذين يتعاطون معه كما لو انه شعب قاصر لا يستحق ان يختار قياداته ويقومون بهذا الدور نيابة عنه، ودون التكلف حتى باستشارته.
بقلم عبد الباري عطوان