ذكريات لا تنسى
تاريخ النشر: 11/12/14 | 10:27• عين على الأطفال!
مدينة البشارة تعدّ العدّة لارتداء أجمل ما لديها من فساتين استقبالًا للعام الجديد..
على الأبواب عيد الميلاد المجيد!
وعيد رأس السنة المبارك!
من بعيد يطل بابا نويل حاملا محملا بالهدايا والمفاجآت.
عيد الميلاد يصرّ أن لا يكون وحيدًا “فريد عصره” هذه السنة..ويتأهب لاستقبال أخيه من أمه وأبيه..عيد الأضحى المبارك!
تزامن استثنائي ونادر يحدث مرة كل قرن أو قرنين. يلتقي العيدان المجيدان..فيتعانقان عناقًا حارًا..ويتعانق الأحبّة أبناء الشعب الواحد هلالًا وصليبًا وناصرًا..فيخيم دفء الألفة والمحبّة على مدينة البشارة ليطرد برد كانون القارس شرّ طردة!
ففي كوانين..يغزو البرد القطبي مدينة البشارة..ويقعد على صدرها..وفي وصف جحافل البرد المجتاح جرت على ألسن أهل الناصرة العبارة “ألبرد يقط ّ المسمار” ويشطره شطرين! فهو برد لا يرحم..لا دين له..ولا ربّ له يعبده..ولا يعرف القرد من النبي!
**
• الصباغ ودحدل توأمان سياميان!
ألعم سليم سليمان الصباغ (أبو نسيم) حارس لمصدر رزقه في إدارة مقهى “صباغ-دحدل”. والمقهى واسع الأرجاء ويتسع لجمهرة من الشباب والرجال الذين يزجّون أوقات الفراغ في ورق اللعب والنرد..هروبًا من هموم العصر الجديد..الذي هلّ علينا بعد النكبة..وتضميدًا للجراح النازفة والمشرعة على جهات الكون الأربع.
الشريكان سليم سليمان صباغ وهيلاردو دحدل قبطانان يديران دفّة المقهى ويتناوبان في تولّي أمره والحرص على إدارة شؤونه على أفضل وجه. شراكة استثنائية ونادرة عزّ نظيرها في أي مصلحة أخرى في المدينة. يتفق الشريكان..”نتقاسم القمر..شهر لك وشهر لي”. ويضربان رقمًا قياسيًا في التفاهم والانسجام والثقة المتبادلة. كانا توأمًا ينبض في صدريهما قلب واحد..ويتنفسان من رئة واحدة. قالت العرب “الشركة تركة” للدلالة على استحالة نجاح الشراكة بين اثنين والتي غالبًا ما تنتهي بأن يترك الواحد الآخر..”فتفسخ” الشركة ويذهب كل واحد في طريق. وهي عبارة لا مكان لها في قاموس الرجلين ولا علاقة بينها وبين عالمهما الذي يسوده الانسجام والتفاهم التام..فقد استطاعا أن يبطلا مفعول هذه “النظرية”..وأثبتا أن “الشركة بركة”..وأي بركة!
ويكون الازدهار الاقتصادي والاجتماعي سيد الموقف الذي يخيم على العلاقة بين الرجلين والعائلتين الكريمتين..صباغ ودحدل!
**
• الفتى حارسًا للعصافير
الخالة أم نسيم عقيلة العم سليم سليمان الصباغ..وجارة الرضا..سيدة فاضلة قلبها عالم واسع عامر بالإنسانية والمحبّة والحنان.
يحدث أن تُضطر خالتي أم نسيم للذهاب إلى الطبيب أو الخيّاطة..أو إلى السوق لقضاء حاجة من حاجات الدنيا..وربما لشراء ثياب العيد للملاكين الصغيرين..نسيم وجانيت!
ألدنيا برد..والعصفوران في البيت الدافئ..
– نسيم وجانيت أمانة بين يديك..يا عبد الله.
فكن -يا بنيّ- عينًا حارسة على الملاكين الصغيرين..حرسك الله..ريثما أعود..
تقول أم نسيم..
**
أيها الفتى..أيها الابن النبيل..عبد الله.
أمامك مهمة..وفي عنقك أمانة..فأنت الحارس الأمين للملاكين البريئين!
إنها مسؤولية كبرى..وثقة أعتزّ بها!
**
• أنت أمام عرس من الزخارف والألوان
نحن على أعتاب عيد الميلاد..وغرفة الأطفال عطل من الزينة!
هلم أيها الفتى عبد الله!
شمّر عن السواعد..إذهب إلى مكتبة خالد الزعبي (أبو رأفت) في سوق الروم..واشتر عشر طرحيات من الأوراق الملونة اللامعة..الأحمر والأخضر والأبيض والأسود..والأصفر والزهري والبرتقالي والليلكي والذهبي والفضّي..
أمامك مملكة عامرة من أقواس قزح..فلتفتح ورشة الإبداع..حضّر المقصّ وقلم الرصاص والبيكار والمثلث الخشبي والمسطرة وقنينة الصمغ..وأرنا مواهبك يا محترم!
وتبدأ طاحونة الزمن تدور وتدور..وخلال دقائق معدودة تولد الحلقات الملوّنة المتشابكة والكرات والكواكب والنجوم الذهبية والقناديل الورقية..وتتشكل سلاسل طويلة وحلقات ملونة ومزركشة تزين سماء الغرفة وحيطانها وأبوابها وشابيبكها..ألوان راقصة وجذابة تخلب الألباب..وتسحر عيون الناظرين!!
الغرفة الصغيرة ما عادت غرفة..فقد ارتدت زيًّا آخر..وأصبحت لوحة إبداعية تحفل بالألوان الصاخبة..
أنت أمام عرس من الزخارف والسلاسل والنجوم اللامعة!
• شجرة الميلاد..في انتظارك!
أنت على موعد مع شجرة الميلاد!
تنظر إلى أسفاط الكرتون المغلقة والمزنّرة بالأشرطة الذهبية والتي تخبئ في عتمتها الكرات الملونة المطلية بالزخارف والنجوم المتلألئة..
فيتوثب الفضول لاكتشاف الكنوز الميلادية الكامنة في هذه العلب الكرتونية..تفتح السفط الأول..فيشهق الخيال..ما هذا؟ إنه كنز!
وتلحقه بالثاني والثالث والرابع..تفكّ الحصار عن الأسفاط الأربعة..وتطلق سراح الكنوز المخبأة..فتتأهب العصافير لكي تطير وتهبط على أغصان الشجرة وأوراقها الخضراء الناعمة !
شجرة الصنوبر الخضراء..تركت موطنها في غابة الصنوبر في الحيّ النمساوي..وحطّت رحالها في زاوية من زوايا غرفة الأطفال..وراحت تنتظر أميرها الذي سيلقي عليها رداءه الملوكي!
إنها في انتظارك يا عبد الله!
فهلمّ..ألق عليها ثوبها المزركش..واستر عُريها الأخضر!
خذ هذه الكريات الملونة البراقة والكواكب المضيئة والشرائط الذهبية..وارسم عالمًا جميلا وأجواء مليئة بالبهجة استقبالا للأعياد..عيد الميلاد المجيد..وعيد الأضحى المبارك..وعيد رأس السنة الميلادية الجديدة!
تنتهي من عملية الإبداع!
فيصفق الملاكان ويطيران فرحًا!
إن الشجرة في كامل جمالها وبهائها وتألقها وكبريائها!
وتتلألأ النجوم..وترقص العصافير الخضراء والزرقاء..إنها دنيا عامرة فرحًا وبهجة!
ويصدح صوت فيروز الملائكي..راسمًا أجواء احتفالية طافحة بالبهجة والفرح..في هذا البيت النبيل..
**
• الليلة ليلة عيد
ليلة عيد..ليلة عيد..الليلة ليلة عيد
صوت ولاد..ثياب جداد..وبكرا الحب جديد
*
عم بتلاقوا الأصحاب..الهدية خلف الباب..
في سجرة بالدار..ويدوروا ولاد زغار
والسجرة صارت عيد
والعيد سوارة بإيد
والإيد تعلق على السجرة غنّيّة وعناقيد
ليلة عيد..ليلة عيد..الليلة ليلة عيد..
**
• تلج تلج..عم بتشتّي الدنيا تلج
ثم يهبط القطب الشمالي..ويخيم بأجنحته ليغطي سماء مدينة البشارة!
تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج
والنجمات حيرانين و زهور الطرقات بردانين
تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج
و الغيمات تعبانين عالتلة خيمات مضويين
و مغارة سهرانه فيها طفل صغير
بعيونو الحلياني حب كتير كتير
تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج
كل قلب كل مرج زهر فيه الحب متل التلج
**
• حذار أن تأكل أصابعك!
وعلى الطاولة تنتظر عبد الله صينية ملأى بالحلويات الشرقية التي صنعتها اليدان الذهبيتان..يدا الخالة أم نسيم..ألغْرَيبة التي تعبق برائحة ماء الزهر وتشرح الصدر..وعرائس المعمول المحشوّ بالجوز والقرفة والسكر..أنت أمام مملكة عامرة بالتراث الفولكلوري..
هذه الملكة معايدة من أم نسيم لأم عبد الله..
بعدها..حذار أن تأكل أصابعك!
*
إنها أجواء عزّ نظيرها..
الدنيا مليئة فرحًا وبهجة وتفاؤلا وطمأنينة!
فسقى الله أيامكم أيها الأحبة!
لقد غمرتمونا بإنسانيتكم..بالدفء بالعطف والمَحبّة!
لقد علمتموني كيف أعشق طقوس الميلاد الراقصة..وكيف أعشق الفرح في شهر كانون الأول..درّة التاج في أشهر السنة!
وفي الخارج ثلج..ثلج..ألدنيا ثلج..وفيروز تغني بصوتها المخمليّ الدافئ أغنية الثلج والأطفال الفرحانين!
لقد عشقت هذه الأجواء..كما عشقت أجواء عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك..ففي هذه الأجواء كانت طفولتنا البريئة ترقص وتلعب وتمرح في ملاعب الطفولة..
لقد كثرت أحلام الصبا..وبنينا عالمًا متخيلًا زاخرًا بأحلام الطفولة الوردية..والطموحات التي ستبدع عالمًا آخر ضاحكًا راقصًا..ولم يخطر ببالنا ما يخبئه لنا المستقبل الحافل بالمفاجآت!!
فمنها ما سرّ..ومنها ما ضرّ!
أحلام تحطمت على صخرة الواقع الرمادي..وأخرى نبتت لها أجنحة فحلّقت في سماوات لا سماء لها!
• سقى الله أيامكم!
ويظل الحنين القاتل إلى أيام الطفولة والصبا والفتوّة الجميلة..نبعًا ننهل منه..ونغذي حاضرنا ونستمد الطاقة لمواصلة المسيرة في مشوار العمر الطويل..هذا الحنين لا يتخلى عن سُنّة الحياة..فيشهر بطاقة حمراء..ويصرخ بأعلى صوته محذرًا..العمر غفلة!
سقى الله أيامكم عطرًا زمزميًا كوثريًا!
فكيف أنساكم..أيها الأحبة!؟
أنتم في القلب والوجدان..إلى أبد الآبدين!
طابت أيامكم..وكل عام وأنتم بخير!
**
فتحي فوراني