امسكوني، وإلا الحرب…

تاريخ النشر: 04/08/12 | 5:11

د. جمال زحالقة

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية تجاه إيران، ووصلت إلى حد التهديد المباشر من قبل رئيس الموساد السابق، أفرايم هاليفي، الذي قال بأنه “لو كنت إيرانياً لعشت في خوف في الأسابيع القادمة”, ملوحاً بعملية عسكرية وشيكة ضد البرنامج النووي الإيراني. على نفس المنوال، جاء تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام بأن قرار الحرب ضد إيران هو قرار المستوى السياسي وعلى المستوى العسكري التنفيذ، في إشارة إلى معارضة قسم واسع من النخبة العسكرية الإسرائيلية للحرب، كما تجلى ذلك في تصريحات داغان وديسكين وأشكنازي، رؤساء الموساد والشاباك والأركان, وكما تجلى أيضاً فيما قاله رئيس حزب كاديما ورئيس الأركان الإسرائيلي السابق بعد خروجه من حكومة نتنياهو متهماً إياها بالتصرف بعدم مسؤولية في الملف الإيراني.

لا تكتف إسرائيل بالتصريحات والحشد الدبلوماسي، بل لجأت في الأسابيع الأخيرة إلى اتخاذ خطوات اقتصادية تحضيراً لقرار حرب محتمل. فالتقليصات وخطوات التقشف ورفع الضرائب والبرنامج الاقتصادي الجديد، لها عدة أهداف أهمها توفير الميزانيات اللازمة في حال اندلاع مواجهة مسلحة مع إيران. هذا لا يعني أن قرار الحرب قد اتخذ، كما يعتقد البعض.

بموازاة التصعيد الإسرائيلي هناك تصعيد أمريكي وبالطريقة الأمريكية. فحتى لو بدا المرشح الرئاسي رومني أهوجاً ومتهوراً في تصريحاته الداعمة لعملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فهو قد يصبح رئيساً لأمريكا قريباً، ومن يظن أن أمر تصريحاته بعيد عن الواقع، نذكره بالسيرة المشئومة لجورج بوش الابن.

أما الكونغرس فقد قرر قبل أيام فرض عقوبات شديدة على إيران وعلى من يتعامل اقتصادياً مع إيران، ومصير هذه العقوبات في انتظار توقيع الرئيس اوباما عليها. الإدارة الأمريكية من جهتها تقول على لسان وزير دفاعها، ليئون بنيتا، في زيارته لإسرائيل، بأن العقوبات تؤثر والضغط يؤثر, ولكن إذا لم يتوقف المشروع النووي الإيراني تبعاً لذلك فإن لأمريكا وحلفائها أدوات أخرى لوقفه، في تلميح شبه صريح للخيار العسكري.

إسرائيل معنية، لا بل معنية جداً، بالتصعيد وبتأجيج الحرب النفسية والاقتصادية ضد إيران. نتنياهو وبراك ومن لف حولهما يحاولون خلق الانطباع بأن إسرائيل على وشك القيام بحرب ضد البرنامج النووي الإيراني، في محاولة لابتزاز المجتمع الدولي، فإما يقوم هو باتخاذ خطوات دراماتيكية ضد إيران، أو يتحمل نتائج مواجهة مسلحة في منطقة الشرق الأوسط، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على السلم والاقتصاد على المستوى العالمي وليس الإقليمي فحسب.

إنها سياسة “امسكوني، وإلا الحرب”. ولكن هذا لا يعني الكثير عن قرار الحرب في إسرائيل. هذا القرار لم يتخذ بعد لا سلباً ولا إيجاباً. هناك خلاف حول الموضوع، وهناك حتى انقسام بين المستوى السياسي، متمثلاً بالثنائي نتنياهو وبراك، الذي لا يستبعد الحرب بل يميل لها، وبين المستوى العسكري والأمني، الذي يدعو إلى عدم التهور في اتخاذ القرار. باختصار لم يحسم أمر الحرب الفعلية، ولكن الحرب النفسية والاقتصادية على قدم وساق.

ليست سياسة التفوق العسكري الإسرائيلي الحاسم، سياسة إسرائيلية فحسب بل هي الموقف الرسمي الأمريكي كما عبر عنه كل الرؤساء الأمريكان منذ حرب حزيران 67. المركب الاستراتيجي في هذه السياسة هو امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً، ومنع أي دولة في المنطقة من امتلاكه.

لم تكن سياسة التفوق الاستراتيجي تاريخياً موجهة ضد إيران، بل كانت وبالأساس ضد العالم العربي وبالأخص مصر وسوريا والعراق. ومهما حدث في الملف النووي الإيراني، فإن العالم العربي سيبقى يواجه نفس السؤال، وهو أين هو من مسألة السلاح النووي في الشرق الأوسط، الذي يشكل العرب غالبية سكانه. الجواب لا يحتاج إلى لف ودوران، كما حدث في السنوات الماضية، وقبل الربيع العربي، وهو أن مصلحة العالم العربي وكل شعوب المنطقة هي شرق أوسط خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل عموماً.

لقد طرح العرب هذه القضية عدة مرات، وفي كل مرة تراجعوا أمام ضغوط الولايات المتحدة، التي عارضت فتح الملف النووي الإسرائيلي. آن الأوان وبسرعة لطرح مبادرة عربية لنزع السلاح النووي في الشرق الأوسط, وعدم الرضوخ للإرادة الأمريكية. وهذا من أهم امتحانات النظام العربي الجديد، وبالأخص الحكم في مصر بعد الثورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة