أيتام الـ"عربيم طوفيم"
تاريخ النشر: 06/08/12 | 5:37المتعارف عليه في الحركات السياسية التي تحترم نفسها، أن يلتزم أعضاؤها أصول الأخلاق والآداب، حين يكون الحديث عن قامة تطال السماء بكبريائها وشموخها، وفي مثل الحالة المرضية لدى أوساط في “التجمع” وكأن التاريخ ابتدأ عندهم، حرصنا دائما في الحزب الشيوعي والجبهة أن لا نهبط إلى مجرّد الردّ على محاولات بعض الشامتين الأقزام في هذه الحركة، ولكن يبدو أن حالة الإفلاس السياسي والأخلاقي عندهم قد تجاوزت كل الحدود، فقد جرؤت صحيفتهم “فصل المقال” التطاول على شخصية، تعتبر رمزا من رموز شعبنا الفلسطيني، بل شخصية حظيت باحترام ومحبة الجماهير لدورها الوطني البارز، فالتصق اسمها بكفرقاسم، ودوِّنت نضالاتها في أرشيف تاريخ هذه البلاد منذ سنوات عصبة التحرر الوطني، مرورا بدورها المسؤول في التصدي لسياسة التهجير والاقتلاع إبان نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948، وبصماتها التي لا يمكن للتاريخ أن يتجاهلها في مقارعة الحكم العسكري والمطالبة بالحقوق القومية والمدنية للمواطنين الفلسطينيين العرب في هذه البلاد، في مقدّمتها إلغاء التجنيد العسكري الإجباري المفروض قسرا على أبناء الطائفة العربية المعروفية.
عذرا أبا الياس، رفيقنا الغالي توفيق طوبي، إذا كان بعض الساقطين من أيتام دفيئة الـ”عربيم طوفيم”، لأنهم حاولوا إثارة غضبك في مرقدك مع رفاقك العمالقة توفيق زياد ومئير فلنر وإميل توما وإميل حبيبي، إلا إنني أطمئنكم جميعا، بأن ما قامت به “فصل المقال” التي نشرت على صفحتها قبل الأخيرة الاسبوع الماضي كلمات مسمومة ممزوجة بالحقد والكراهية والتزوير على لسان أحد أبواق التجمع المفلسين ، متهما القائد الشيوعي العريق توفيق طوبي وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي النائب عفو إغبارية، بموافقتهما فرض الخدمة العسكرية على المواطنين العرب. إن هذه التجارة السياسية الرخيصة من قبل الصحيفة والكاتب، تؤكّد سقوط ورقة التوت الأخيرة عن عورة بعض أفراد وقيادات هذا الحزب الذين يبدعون في تزوير الحقائق والتاريخ، ولا نقصد هنا التعميم، لأننا على ثقة بوجود أصوات عقلانية في “التجمع” ترفض مثل هذه المهاترات والمناكفات الرخيصة.
إننا نعتبر هذا الهجوم الأرعن على قيادة حزبنا الشيوعي، هو استخفافا بعقول الناس، فكيف يمكن؟! الهبوط إلى هذا الدون وتلفيق مثل هذه الأكاذيب ضد من يناضل كل يوم لإلغاء مشروع الخدمة المدنية السلطوي وضد من حمل شعار عدم ربط الحقوق بالواجبات على مدار عشرات السنين، ومن وقف إلى جانب أبناء الطائفة العربية الدرزية مطالبا بإزالة كابوس التجنيد القسري عن كاهلهم، ولكن كما يبدو، هناك تفسيرا واحدا لهذا اللغط المشبوه من كاتب صحيفة “التجمع” وأمثاله بانهم مصابون بعمى الألوان وتقمصهم دور عدم فهم المقروء، فلم تكن هناك دعوة للتجنيد الاجباري نهائيا، لا في المقابلة التي اجرتها قناة الكنيست مع النائب إغبارية مؤخّرا، ولا في خطاب الرفيق الراحل توفيق طوبي في الكنيست، بل كان المقصود هو فضح السياسة الاسرائيلية التي تمارس سياسة تمزيق وحدة الجماهير العربية إلى بدو ودروز ومسيحيين وإسلام، من خلال تشجيع الخدمة العسكرية وفرضها قسرا، الأمر المرفوض جملة وتفصيلا.
في عام 1956 عندما فُرِضت الخدمة العسكرية الاجبارية على الشبان العرب الدروز وقف طيب الذكر النائب توفيق طوبي على منصة الكنيست وقال معترضًا: “أنتم تبغون من وراء فرض الخدمة العسكرية هذه، سلخ أبناء الطائفة العربية الدرزية عن شعبنا العربي الفلسطيني وافتراسها من خلال دفع “ضريبة الدم”، وهضم حقوقها القومية ومصادرة أراضيها. أما ذرائعكم بفرض الخدمة بالجيش على أساس مساواة المواطنين العرب بالحقوق الكاملة فعليا فهي وعود وهمية وكاذبة، فلو كانت لديكم النوايا الأخرى لقمتم بتجنيد كافة المواطنين العرب، ولكن سياستكم الواضحة وضوح الشمس هي سياسة “فرّق تسد” وإبعاد أبناء الطائفة المعروفية عن شعبها لتسهيل عملية افتراسها. من هذا المنطلق نحن ضد فرض الخدمة الإجبارية على المواطنين العرب ومع أبناء جلدتنا العرب الدروز (إلى هنا نص خطاب طوبي بالكنيست)”.
الجدير ذكره، أن النائب الراحل توفيق طوبي استقبل في الكنيست عام 1982، وفدا من لجنة المبادرة العربية الدرزية واستلم منهم عريضة تحمل عشرة آلاف توقيع، يطالبون بإلغاء التجنيد الإجباري عن أبناء الطائفة الدرزية وجعله اختياريا. حينها اعتلى النائب توفيق طوبي منصة الكنيست، حاملاً لوائح التواقيع، وطالب بإلغاء الخدمة العسكرية المفروضة قسرا، فتصدى له النواب الدروز في الأحزاب الصهيونية قائلين بأنه لا يمثّل الطائفة الدرزية، فأجابهم، إن العشرة آلاف توقيع التي يحملها بأيديه هي أكبر برهان. وفي عام 2007 تسلّم الرفيق توفيق طوبي درعا من وفد لجنة المبادرة العربية الدرزية، تقديرا لجهوده ونضالاته التي بذلها لإلغاء التجنيد وزياراته للسجون العسكرية تضامنا مع المعتقلين رافضي الخدمة الاجبارية. فلا عجب أن حصيلة نشاط كوكبة المناضلين في الحزب الشيوعي ولجنة المبادرة العربية الدرزية، قد أوصل نسبة الرافضين للخدمة العسكرية بين الشباب الدروز اليوم إلى 50%.
ختاما، ربما كان الأحرى بكاتب الصحيفة، بدلا من هذه المهاترات، الانتباه لحقيقة لا تقبل اللبس، حول ما نشرته الكنيست قبل اسبوعين، بأن كتلة الجبهة في الكنيست هي الأولى بين كافة الكتل الأكثر نشاطا في معالجة القضايا الاجتماعية، ولا وقت للنائب عفو إغبارية وأعضاء الكتلة للانشغال بمثل هذه الترّهات، وكما يقول المثل الدارج (الفاضي بعمل قاضي).
ردا على صحيفة “التجمع” “فصل المقال”
بقلم رفيق بكري , البعنة ( المساعد البرلماني للنائب د. عفو اغبارية، الجبهة)