لماذا هيثم خلايلة؟!
تاريخ النشر: 14/12/14 | 11:24أعوّل على الآداب والفنون أكثر من أيّ شيءٍ كان في صياغة الهويّة والوعي والقيم وحفظ ثوابتها وتطوير متغيّراتها، فرديّةً كانت أم جمعيّة، خاصّةً في ظلّ انهيار أو غياب المنظومة السّياسيّة والبِنى المؤسّساتيّة الّتي يقع هذا الدّور على عاتقها بالدّرجة الأولى، تمامًا كما هو حالنا فلسطينيًّا، حيث التّدهور المريع في دور المنظومة السّياسيّة والمؤسّسات وإسهاماتها جمعيًّا.
نعم برنامج “أراب آيدول” وأشباهه فيه من السّلبيّات والرّداءات القيميّة والمبدئيّة والفنّيّة التّقنيّة ما هو كثير، تمامًا كما هو الأمر مع “المونديال” أو مواسم كرة القدم الإقليميّة والعالميّة الأخرى، ولهذا فأنا لست من متابعيه، ولا يعنيني منه أبدًا إلّا الظّواهر الّتي تحيط به، اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة وإعلاميّة، إذ أنّه حدثٌ تنخرط فيه بالوقت نفسه قطاعاتٌ واسعةٌ من النّاس تعدّ بعشرات الملايين على مستوى العالم العربيّ، تنتج حوله سلوكاتٍ وأفكارًا ومقولاتٍ لا حدودَ لها، تُعْتَبَرُ مادّةً غنّيّةً للتّأمّل والتّفكّر والبحث؛ إنّ هذا البرنامج وأشباهه ببساطة حدثٌ هامٌّ جدًّا لكلّ مهتمٍّ بعلم الإناسة (الأنثروبولوجيا).
لهذا فإنّ مسألة مشاركة الشّاب الفلسطينيّ الجليليّ هيثم خلايلة في برنامجٍ ثمّة ملايين متورّطون فيه، ووصوله إلى هذه المراحل المتقدّمة منه، ومنافسته على لقبِ “محبوب العرب”، مسألةٌ يجب أن تعني كلّ إنسان مهتمٍّ بالشّؤون الثّقافيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة؛ إذ أنّ هذه المشاركة، والأكثر من ذلك فوزه الّذي أتمنّاه اليوم، يؤثّران في الهويّة الجمعيّة الفلسطينيّة عمومًا، وفي فلسطينيّي الدّاخل ضمن الخطّ الأخضر خصوصًا، أضعاف أضعاف تأثير سنين طويلةٍ من العمل السّياسيّ والتّوعويّ التّقليديّ، وبأقلّ جهدٍ ووقتٍ ممكنين، أحببنا ذلك أم لم نحبّ، اعترفنا به أم لم نعترف، فهذا هو سرّ الفنون والآداب العجيب!
انطلاقًا ممّا تقدّم، وبالإضافة إلى كونه قيمةً فنّيّةً يشهد لها ويمكنه أن يقدّم الكثير في حقل إبداعه، فإنّني أتمنّى لهيثم خلايلة الفوز من كلّ قلبي اليوم، وفي حال لم يفز وذهب لقب “محبوب العرب” لابن دولةٍ عربيّة أخرى، فلن أكون مستاءً أبدًا، فنحن يجب ألّا نكون عنصريّين شوفانيّين لهويّاتنا الوطنيّة الإقيليميّة الضّيّقة، رغم قناعتي بأنّنا بحاجةٍ كبيرةٍ لهذا الفوز، في ظلّ ما يعيشه شعبنا من ضبابيّةٍ في المشروع السّياسيّ، وتهديدٍ للهويّة الجمعيّة، وطائفيّةٍ، وصراعات قبليّةٍ، وعصبيّاتٍ مناطقيّة وبلدانيّة، وانتشارٍ للتّشدّد والتّطرّف، وصراعاتٍ فصائليّةٍ وحزبيّة، ودون ذلك، فمثل هذه الأحداث لها أن تؤثّر إلى حدٍّ بعيدٍ جدًّا في صياغة وعيٍ ومفاهيم وهويّةٍ جمعيّةٍ أكثر تماسكًا وتجانسًا، وخصوصًا لدى الأجيال النّاشئة والشّباب، باعتبارهم الأكثر تورّطًا في مثل هذه الأحداث والظّواهر.
يبقى السّؤال: كيف نستثمر الّذي يحصل الآن، وما دور المؤسّسات والجهات الثّقافيّة والسّياسيّة في هذا الاستثمار، دون ابتذالٍ ومبالغةٍ وتسلّقٍ كما حصل في حالة محمّد عسّاف؟!
بقلم:علي مواسي