لحظة الحقيقة والإنفجار القادم
تاريخ النشر: 15/12/14 | 9:18المشهد في غزة سريالي ومرت سنوات وأجيال وهو كما هو، وكأن قدرنا أن نُجلد على ظهورنا وتبقى جروحنا مفتوحة، لقد نسينا فلسطين ولم ننسى حكايتنا الصغيرة ونسينا مظلمتنا الكبرى ولم ننسى جروحنا الصغيرة.
و إفتراض حسن النية أو سوئها أصبح عسيراً، ومعظم ما يقال هو ما لا نفهمه، وما نفهمه لا يستحق التعب، والشعور بإن ما لا نفهمه هو أفضل لنا لأنه ذخر وسر من الأسرار الغامضة في حياتنا، نرتكب الخطايا في حق أنفسنا ونعتقد أنها ستخلصنا من ما نعيشه من أوضاع صعبة جداً، ومن غير المفهوم كيف تتحول سلطة تحت الإحتلال إلى قوة مصدرها قهر و ظلم الناس.
في غزة لم يعد هناك شيء غريب أو مفاجئ، الناس أصبحوا ينتظروا الإنفجار القادم والانهيار الشامل، وربما يستطيعوا تحديد الهدف وسبب حدوثه، و أن كل الامور مفتوحة على الأسوأ في غياب الحكمة وتغليب مصالح الناس والقضية الوطنية، وتخلي حكومة الوفاق الوطني عن مسؤولياتها وغياب العدالة وعودة المناكفات بشكل أسوأ مما كانت عليه وتوجيه الإتهامات و عدم القاء القبض على الجناة و الإعتداء على سيادة القانون وخلق حال من الفوضى وعدم الإستقرار وتهديد امن الناس وترويعهم.
قبل شهر تم إستهداف منازل قيادات حركة فتح ومنصة إحياء ذكرى أبو عمار، و قبل شهرين تم تفجير المركز الثقافي الفرنسي وغيرها من الحوادث والتفجيرات التي لم تعلن نتائج التحقيق حول هذه التفجيرات، وتهديد مجموعة من الكتاب والمثقفين و كان استدعاء لداعش، هذه المرة من سيكون المستدعى؟
للمرة الثانية يقع تفجير في مبنى المركز الثقافي الفرنسي، و لم يعد معنى للحديث عن الجهة المستدعاة أو الفاعلة فالناس يوجهون الإتهام لحركة حماس، و لديهم حدس ويتوقعوا ويحللوا من خلال الواقع الذي نعيشه، فأي كانت نتائج التحقيق سواء تزامن الانفجار مع تصويت البرلمان الفرنسي لصالح الإعتراف بدولة فلسطين أو أي شيئ أخر، فرنسا هي من بقيت في غزة في حين غادرها الكثيرون، فهذا غير مهم لمن وضع العبوة في المركز الثقافي الفرنسي.
المهم لهم هو رسائل تذهب في اتجاهات عديدة و خلق حال من الفوضى وترويع الناس في إنتظار واقعة مفاجأة جديدة وربما تكون متوقعة، فالتساؤلات ذاتها تطرح في الشارع، من المسؤول ومن الذي فجر والتحقيقات في الإنفجار الأول لم تفصح عن الجناة؟ وفي هذه الحالة يقال أن الخوف يضمن الأمان، هل هذا هو الهدف من الإنفجار، أم إن لم يكن الرواتب و الإعمار سيكون الإنفجار؟ أم أن الانفجار له علاقة بالحريات العامة والإدعاء بوجود إختلاط في المركز؟ العدالة غائبة والإجابات على ألسنة الناس و الحيرة تشرع الجبن، والجنون لم يعد عزيز.
مسؤولون في الأمن يقولون أنهم يضعوا كل الإحتمالات ولا يستبعدوا أي اتجاه في التحقيق ويشكون أحوالهم المادية و اللوجستية، فهم لم يتلقوا رواتبهم مما يضعف الدافع على العمل، و عندما يتمنى البعض منهم عودة الحرب و الموت يكون قد استعصت عليه الحياة وقسوتها، و لم يستطع توفير رغيف الخبز لعائلته، تكون الحياة مستحيلة والقدرة على العطاء محدودة وربما معدومة، وعندما يشكو المسؤولين أحوالهم بحسرة والشعور بالعجز عن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم يكون الإنسان قد بلغ من الإنكسار ما يدفعه للقيام بأي عمل.
ما يجري هو الجنون، فالانفجار أشاع أجواء من الإستنكار و الخوف، والرئيس محمود عباس بصفته عليه أن يكون أكثر حكمة في لم شمل الفلسطينيين وعدم ترك الامور للإنهيار بسرعة، لم يعد حاجة للحديث عن مأساة الفلسطينيي خاصة في غزة فالواقع يتحدث عن نفسه، وكل الدعوات بالوحدة وتمكين الحكومة من القيام بواجبها عبث و تصدم بعناد والبحث عن مصالح وتهشيم رؤوس.
من حق الناس العيش بحرية و أمن و سلام، ومطلوب من الحكومة العمل على توفير رواتب موظفي حكومة غزة ووضع موازنات تشغيلية لحين التوصل إلى حل لمشكلة دمج الموظفين العموميين، كما على الحكومة التواصل مع الأجهزة الأمنية وتوفير الميزانيات التشغيلية لها ونفي الادعاء بأنها لا تستطيع القيام بواجباتها.
الكل أمام لحظة الحقيقة والضمير الوطني والأخلاقي يتطلب العمل بسرعة لمواجهة الإنفجار القادم، و للخروج من هذا العبث وتغليب المصلحة الوطنية، وهو مهمة وطنية بحاجة لكل الطاقات لوضع حد لسنوات الانقسام ومنع الإنهيار والمضي في طريق المصالحة.
مطلوب من حركة حماس إتخاذ خطوات أكثر دراماتيكية باتجاه إتمام المصالحة لمصلحتها ومصلحة الناس، و إعادة الثقة للمواطن الفلسطيني وطمأنته على أمنه وسلامته الشخصية، وحفظ كرامته وحقوقه، وتنبع مسؤولية حركة حماس وأجهزتها الامنية كونها ما زالت تسيطر على القطاع، وعليها تقديم الإجابات ونتائج التحقيق عن كل الأحدث التي وقعت وعدم إنتظار قدوم الحكومة وتوحيد الاجهزة الامنية، و العمل بأقصى سرعة على تعزيز مبادئ حقوق الإنسان و سيادة القانون، وإعادة الهيبة للأمن لمصلحتها ومصلحة الناس الذين ما زالوا يدفعون ثمن كل هذا العبث.
مصطفى إبراهيم