من روائع د. عائض القرني…
تاريخ النشر: 31/01/11 | 8:25“المرعى أخضر و لكن العنزة مريضة”
أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، ووالله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين . ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ، يقول تعالى: { لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [آل عمران : 113].وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ، وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ، التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة ، أما نحن العرب فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي ، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.
نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله ، فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر ، الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس ، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء ، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى ، من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه ، الشرطي صاحب عبارات مؤذية ، الأستاذ جافٍ مع طلابه ، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق وبحاجة لمؤسسةلتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة والتواضع ، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس ، وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.
المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا . في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق ، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة ، لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ، وكلما قلت: ما السبب ؟
قالوا: الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف ، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل.
بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ، أين منهج القرآن قال تعالى: { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } [الإسراء : 53].وقال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } [الفرقان : 63].قال تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر : 85].قال تعالى: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } [لقمان].وفي الحديث: { الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء }الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 4941خلاصة حكم المحدث: صحيح.{ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده }الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 41خلاصة حكم المحدث: صحيح.{ لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا . وكونوا إخوانا . كما أمركم الله }الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2563خلاصة حكم المحدث: صحيح.
يقول عالم هندي: ( المرعى أخضر ولكن العنز مريضة ).
أنا شخصيّا ضدّ التعميم، وأحارب كلّ من يشعر بالدونبيّة مقارنة مع الآخرين!!
صحيح أننا نعاني الكثير من العادات والتقاليد والأعراف السلبيّة، ولكن في نفس الوقت لدينا الكثير من القيم والمُثل الإيجابية التي يحقّ لنا أن نفخر بها ونحافظ عليها.
مثلا: ما زال في مجتمعنا البرّ بالوالدين، والألفة والتواصل بين الناس و..
والخلاصة: نحتاج إلى تغيير في جوانب من حياتنا وسلوكنا بواسطة التربية والثقافة، وبالمقابل نحتاج إلى ترسيخ وتعزيز جوانب أخرى جديرة أن تبقى وتتجذّر!
د. محمود ! أنا أيضا ضد التعميم ولكن هناك ظواهر اجتماعية-لا يمكننا التغاضي عنها أو تجاهلها- تطغى على مجتمعنا فتصبح هي هي السمة البارزة والعلامة الفارقة. وأظن أننا كأمة بعيدون كل البعد عن السلوكيات التي يدعونا ديننا الى اتباعها حتى كأننا غدونا أمة بلا منهج أو لنقل أننا أمة تملك منهجا لكنها لا تحسن تدبره. إنتقاد الذات لا يجب أن يقترن -يا أستاذنا الفاضل- بشعور بالدونية بل يجب أن يدفعنا الى تحسين أدائنا ومقارتنا بالشعوب الأخرى توفر لنا الفرصة للانفتاح على الآخر والأخذ عنه شرط أن نأخذ السمين ونترك الغث، فقد قال تعالى” يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” أي لتتبادلوا المعرفة”