الشاعر الفلسطيني طلال حماد:نحن نناضل من أجل الحرية.
تاريخ النشر: 15/12/14 | 22:06شاعر وقاص من القدس، اتّخد تونس موطنا ثانيا له، كتب وترجم من العبريّة والفرنسيّة، في صحف ومجلاّت فلسطينيّة وعربية، ساهم منذ البداية في نشوء الحركة المسرحيّة في فلسطين المحتلة، من مؤلفاته الروائية والشعرية
«ما لم أقله لأحد بعد»، «الريح شديدة في الخارج»، « فصول من الرحلة المستمرة»، «الحلم ورجال بلا وطن»، «الآن في القدس القديمة»، «القدس في مهب الريح»، «طلّ على وردة روحي»، «موت غامض وتفاصيل أخرى»..
• أنت تقيم في تونس منذ 35 سنة تقريبا، ما هي علاقتك بتونس؟ وكيف وجدت تونس الشاعرة؟
علاقتي بتونس هي علاقة من ولد فيها منذ 35 سنة وتربطه بها علاقة محبتها وخيرها، ومن يحب يُطيل في العشرة. يحتملها مثلما تحتمله. وتونس حمّالة مثلما هي ولاّدة. والخير لقدّام كما نقول.
وبالنسبة لتونس الشاعرة، فهي ككل البلدان الشاعرة. لأنّ الشعر ليس إبداعاً فنياً وحسب، بل وأيضاً طريقة في وصف الحياة والإحساس بها، بحلوها ومرّها. ويذهب البعض إلى اعتبار الشعر موقفٌا، والبعض الآخر موقعا. وشعر الموقف (في مختلف المجالات والميادين) يتجاوز الحدود الضيقة للشاعر (أبو القاسم الشابي نموذج). وأمّا الموقع (في المشهد الثقافي/ الاجتماعي) فيحدّده اقتراب الشاعر من هموم الناس الكبرى (والصغرى على السواء) من خلال رؤية تتقدّم بالواقع وتحسّن من شروطه، أو ابتعاده عنها وتلك انتكاسة لغوية وثقافية واجتماعية. هل معنى ذلك أنّ الشاعر مناضلٌ؟ غالباً ما هو كذلك.
فالشاعر الحرّ يعرف أنّه يمنح أدوات معرفية بالأساس لتحسين الجمال وكشف القبح، وليس أداة لتكريس النكوص والركون إلى الجهالة أو التجهيل والتعمية والتزييف. كثير من الشعراء والشاعرات في تونس أبدعوا في هذا الاتجاه وما زالوا يبدعون(المنصف الوهايبي، الصغير أولاد أحمد، آدم فتحي وآخرون. والبعض مزج الشعر بالفلسفة ولم يخِلَّ (سليم دولة، ومحمد بن صالح من شعراء الثمانينات)، وبالطبع برزت أسماء كثيرة في المشهد وكثير منها ما يزال يشهد، لشعراء وشاعرات ( بالفرنسية كالمنصف غشام، والطاهر البكري، وبالعربية يوسف رزوقة، وسوف عبيد، وحياة الرايس، البارزة (كالطاهر الهمامي، وصالح القرمادي، والميداني بن صالح وآخرين.
تونس الشاعرة شاعرة وحية في المشهد الشعري العربي، وفي موقع محترم.وضحى بو ترعة، وماجدة الظاهري) وغيرهم، وغيرهنّ، من أجيال مختلفة. وبالطبع من فقدتهم تونس الشاعرة، وكانوا من قاماتها
• أنت من مؤسسي المسرح الفلسطيني، أخبرنا عن هذه التجربة ؟
ما بين 1948 و 1967 كانت التقاليد المسرحية الفلسطينية قد توقفت بعد النكبة. بعد النكسة (حرب حزيران 1967)، وبروز المقاومة الفلسطينية المسلحة، كان على الفلسطيني تحت الاحتلال أن يبتكر أساليبه في المقاومة. كان شعراء الأرض المحتلة ( شعراء المقاومة)، توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم، راشد حسين، سالم جبران، حنا أبو حنا، وآخرون، قد شقوا طريقاً ومهدوها.
كنت شاباً، لم أبلغ العشرين بعد، حين التقيت بمجموعة من شباب القدس المحتلة رأوا في المسرح وسيلة أخرى للنضال والمقاومة (الاجتماعية والثقافية والسياسية)، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي. ثمّ تبلورت العملية المسرحية المجربة مع المخرج الفلسطيني فرانسوا أبو سالم (الفرنسي الهنغاري الأصل، وابن الشاعر والمؤرخ والطبيب لوران غاسبار، الذي اضطرته سلطات الاحتلال إلى مغادرة القدس التي كان يعمل فيها، واختار في حينه تونس ليعيش ويمارس فيها تخصصه الطبي ويكتب فيها شعره وأبحاثه. كان فرانسوا قد نشأ وترعرع في عائلة فلسطينية أخذ اسمها اسما له، وسميت تلك التجربة الغنية والمثمرة بـ «بَلالين» (جمع بالون). في 1974 غيبت في السجن، وخرجت منه في 1976، لألتقي من جديد بفرانسوا ونؤسس بمعية جاكي لوبيك (زوجته الأمريكية الأصل)، وجميل عيد، وإدوارد معلّم، وعدنان طرابشه، ومحمد محاميد، فرقة الحكواتي، التي منحت لاحقاً اسمها لقاعة سينما مهجورة في القدس المحتلة قبل أن تتحول إلى المسرح الوطني الفلسطيني، مع المحافظة على «الحكواتي» كاسم مرجعي لها.
• هل بإمكان الشاعر أن يكون سياسيا أيضا؟
لا يهتم الشاعر بالشأن السياسي وقد تشغله السياسة من حيث صوابها أو خطأها لكني لا أعتقد بأنّ الشاعر قد يبدع في السياسة بمثل إبداعه في الشعر. ربّما يشكل مراد العمدوني استثناء تونسيا، كشاعر وكمناضل سياسي (من خلال تجربته النيابية في المجلس التأسيسي).
• خبرنا عن تجربتك في النضال؟
هي تجربة مثل غالب المناضلين. هل النضال صفة؟ هل هو وظيفة؟ هل هو بطاقة تعريف؟ لا أحد يطيق الاحتلال والقمع والاستلاب والتغريب. لا أحد يستمرئ النكوص والردّة والخذلان والتقهقر الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي. لا أحد يستكين للقمع والتجهيل والزيف والاستيلاء على الحقوق والحريات. موقفه من كل ذلك يحدّد موقعه. الوعي والضمير والحرية (الداخلية للمرء) لا تسمح له بالوقوف متفرجاً. وباتخاذه موقفاً منها يصبح من واجبه النضال ضدّها. نحن نناضل من أجل واقع أفضل، ومستقبل أجمل. نحن نناضل من أجل انتصار الحق والعدل والحرية. الحرية التي لا تعني الانفلات والسطو على البلاد والعباد. قضية فلسطين ليست بمعزل عن قضية الحقوق والعدالة والحريات، فيها وفي غيرها.
• هل تعتقد أن القضية الفلسطينية نسيت في ظل المتغيرات في المنطقة العربية؟
منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» المصرية الإسرائيلية، عام 1978، وحتى اليوم، انحسر موقع القضية الفلسطينية في العقل السياسي العربي وفي الحاضنة العربية. اضطر الفلسطيني إلى مواجهة الاحتلال الاستعماري الصهيوني وظهره في بعض الأحيان إلى الحائط. بتلك المعاهدة بدأ القضاء على جبهة الصمود والتصدي.
تعاقبت الاجتياحات الصهيونية للبنان ومحاصرة المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأبعدت قدر المستطاع عن حدود المواجهة المباشرة. وانحصر النضال الوطني الفلسطيني لاحقاً في النضال الدبلوماسي على الجبهة الدولية. أعلن الاستقلال الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988، ولكن ظل ذلك الإعلان فلسطينياً دون بعد عربي ضاغط لتحقيقه. خدعنا باتفاق أوسلو من حيث صدق الجانب الإسرائيلي وعدم احترامه لاستحقاقاته. من استحقاقاته مثلاً انسحاب الاحتلال الصهيوني من الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام الدولة الوطنية الفلسطينية قبل عام 2000.
ومنذ حرب الخليج الأولى والقضية الفلسطينية في معاناة أليمة. ما حدث في المنطقة العربية من انتفاضات ما سمي بالربيع العربي، كان ضاراً بالقضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية لم تُنْسَ، لكنها لم تُنصف كما يجب أن يحدث ذلك. القضية الفلسطينية كانت أم القضايا في المنطقة. ستظل كذلك. أي تغيير في المنطقة العربية، والعالم، يؤثر إمّا سلباً، وإمّا إيجاباً على القضية الفلسطينية. والدليل، أن العالم الغربي، المستعمر القديم، والرأسمالي الإمبريالي، وأصل المسألة الفلسطينية، يفكر اليوم، حتى بعد أكثر من 66 سنة بالقضية الفلسطينية، وها هي برلماناته تذهب إلى اعتراف ما بدولة فلسطينية. المنطقة العربية اليوم ضحية الأطماع الاستعمارية والغزو المتوحش والتمزيق. نحن جميعاً بحاجة إلى معافاة. تعافي المنطقة العربية معافاة للقضية الفلسطينية. لنتمنّ ذلك.
بقلم: سيماء المزوغي
سلام لطلال حماد من ابراهيم نصار
سلام لطلال حماد من ابراهيم نصار