لا تسألوا لماذا
تاريخ النشر: 08/08/12 | 13:18نلاحظ في الآونة الأخيرة نهضة غير مسبوقة في بعض قرانا ومدننا العربية ، عقد أمسيات ثقافية ، منتديات أدبية ، حفلات تكريم لأدباء وشعراء محليين . بدون شك وإن كان لي نقاش على ماهية هذه النشاطات الثقافية وكيفية تنظيمها ، تعتبر هذه النهضة لفتة إيجابية وصرخة لكي لا يبقى أدبنا بعيداً عن مركز الاهتمام ومحور الضوء ، ولكي لا تبقى اصدارات كتابنا تزين رفوف المكتبات والمخازن ، أو تهدى الى أشخاص يتقبلون هذه الهدايا بامتعاض ، حائرين أين سيحتفظون بهذه الهدية غير المرغوب فيها .
يتعالى الكثير من الناس على الأدب المحلي ، ويفاخرون في جلساتهم بذكر اسماء لكتب فرأوها لكتاب من العالم العربي ، أو من أوروبا وأمريكا أو افريقيا. وعندما تسأل أحدهم ، ما هو الكتاب المحلي الأخير الذي قرأته ؟ وما الذي لم يعجبك به؟ يبدأ بالتأتأة ، لأنه لم يقرأ كتاباً محلياً واحداً ، فهو يصدر أحكامه جزافاً ودون أن يطلع على ما يكتبه الأدباء والشعراء في بلادنا .
وحتى لا يبقى الكلام على عواهنه ، ومن أجل المشاركة الفعّالة في البنية الثقافية المحلية ، دعونا نناقش وبصراحة حقيقة ما يجري على ساحتنا الأدبية من خلال مؤسسات أصبحت تتعامل مع الأدباء من منطلقات حزبية ضيّقة ، وبناء على علاقات شخصية وشللية . وفي ظل هذا التسيّب ومحاولة فرض واقع قبلي فئوي على أدبنا المحلي ، من خلال جوائز هزيلة مخزية لا تمّت للمهنية بشيء، ومن خلال ترويج بعض الأدباء لأدباء آخرين بشكل مخز ومعيب ، أصبح من الضرورة وضع النقاط على الحروف ، ولنبدأ بالمنتديات الأدبية والثقافية التي تعقد هنا وهناك في مدننا وقرانا العربية ، مثل المنتدى الثقافي في جمعية البادية في عسفيا والذي يعقد منذ سنوات وبشكل منتظم ، مرّة في كل شهر، يتناولون في كل لقاء كتاب لأحد الكتاب المحليين ، يوكلون بعض أعضاء المنتدى بالتحضير لتقديم مداخلات حول الكتاب الذي وقع عليه الاختيار ، ومن ثم يتاح للمشتركين التعليق ومناقشة الكتاب .
هنالك تجربة مشابهة لأدباء مدينة القدس وضواحيها بدأت منذ سنوات أكثر وتتمتع بتجربة غنية ونشاط دؤوب ، يقيم هذا الاطار الأدبي ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في مدينة القدس، هذا اللقاء الذي أصبح عاملاً هاماً ومركزيّاً في الحراك الثقافي والنهضة الأدبية في مدينة القدس، وما يميزها أيضاً أنها توثق ندواتها وتصدرها بين دفتي كتاب بين الحين والآخر.
هذا بالاضافة الى أطر أدبية ومنتديات ثقافية أدبية بدأت تنشأ في قرانا ومدننا العربية ، بعضها أقتصر على عدد محدود من الكتاب والشعراء والمهتمين بالثقافة والأدب، والبعض الآخر نجح بتنظيم لقاءات وأمسيات ثقافية مطعّمة بالبرامج الفنية نجحت باستقطاب جمهور واسع وصل أحياناً الى المئات. من ضمن هذه الأطر والمنتديات : المنتدى الأدبي الشفاعمري ، النادي الثقافي التابع للمجلس الملي الأرثوذكسي في حيفا، صالون الكاتبة نهى قعوار الأدبي في مدينة الناصرة ، المنتدى الأدبي الذي تنظمه مؤسسة الأفق للثقافة والفنون ،
واسمحوا لي أن أكتب عن التجربة المميزة التي ساهمت فيها من خلال المنتدى الأدبي لمؤسسة الأفق ، حيث نجح هذا المنتدى باستقطاب جمهور واسع للأمسيات الثقافية والفنية وصل الى المئات. كان المنطلق لعقد هذه الأمسيات كسب ثقة الجمهور أولاً وأخيراً ، فكرنا وبحثنا ودرسنا كيف يمكننا أن نستقطب الجمهور ونجعله يحضر هذه الأمسيات بشغف . عندها كان أمامنا حلّان ، إما أن نرضي قطاعاً محدوداً من الأدباء عندما نمنحهم منصة ومنبراً ، وإما أن نرضي الجمهور الواسع عن طريق اختيار البرامج المثقفة والمثيرة للإهتمام في آن واحد ، ووقع اختيارنا على الحل الثاني ، فعقدنا أمسية في مدينة شفاعمرو أمسية ثقافية فنية خاصة بفارس الشعراء محمود درويش ، في قاعة مركز الفنون والعلوم في مدينة شفاعمرو ، وبحضور جماهيري مميز ، جمعت بين الكلمة والأغنية والرقص التعبيري . وعقدنا أمسية ثقافية أخرى في حيفا حول الفكر العربي المسيحي ، فكان حواراً فكرياً ملفتاً للنظر ، وألقى الأضواء على موضوع جديد بالنسبة لغالبية الحضور. وأمسيات ثقافية أخرى منها أمسية في قرية فسوطة الجليلية حول أدب الشباب ، وأخرى في الناصرة حول إصدار جديد للكاتب جودة عيد وغيرها من الأمسيات الثقافية التي حققت نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير
هذه التجربة إن دلّت على شيء ، إنما تدلّ على أن جمهورنا يمكن أن يرتاد الأمسيات الثقافية إذا كان المتحدثون يثيرون الاهتمام ، والمواضيع المطروحة هي مواضيع جديدة ويتم طرحها بأسلوب مغاير . ولكن ومن خلال مشاركتي في العديد من المنتديات الأدبية ألاحظ ظاهرة فرض أشخاص لأنفسهم على هذه المنتديات ، عندها تتحول الأمسيات الثقافية الى معاناة ، فعلى الجمهور أن يستمع لأشخاص لا يرغب بسماعهم ، ولا يجددون له شيئاً . كما تقع بعض إدارات المنتديات في فخ المجاملات ، فيضطرون الى تقديم التنازلات فيرضون بذلك بعض الأدباء أو أدعياء الأدب ، لكنهم بالتالي يخسرون الجمهور ، فيصبح عدد رواد المنتدى لا يتعدى أصابع اليد. كما أن هذه النوعيات من المنتديات لم تعد تغر حتى بعض الأدباء من المشاركة والتحدث فيها ، أو تناول كتبهم ومؤلفاتهم. فهل نحن من خلال هذه المنتديات نساهم في رفع شأن الأديب المحلي ، أم نساهم في تفاقم المشكلة؟ وقولي لي بربكم ، رجاء ، لا تسألوا لماذا لا يأتي الجمهور الى مثل هذه الأمسيات ، فعندما تخططون للأمسيات فكّروا جيّداً كيف نجذب الجمهور ، كيف نثير اهتمامه.