النفس الرمضانية 5: المحافظة في مجتمع محافظ – الجزء 1
تاريخ النشر: 09/08/12 | 12:50مع إطلالة كل صباح نهمّ بفتح النافذة لنرى منظرا يُسعدنا وإذ بنا نرى الأوساخ تروح وتجيء مع الرياح! نحمل العائلة إلى وادي القرية عند أطرافها وإذ بنا نُذعر بأكوام الزبالة تنتشر في كل مكان واللافتة في مكانها: ممنوع إلقاء النفايات، كل من يُخالف القانون سيُعاقب! نفتح النوافذ لتهوئة المنزل وإذ بالجار يحرق ما لا يريد وقت هبوب الرياح! تجلس للدراسة لإمتحان وإذ بأحدهم يُشعلها موسيقى صاخبة في سيارته أو في بيته! تُركّب حنفيات ماء على حافة الطريق عن روح الحاج فلان وإذ حالتها بعد فترة قصيرة يُرثى لها! الطاولات في المدارس تُخلّع، مصابيح الإنارة في الشوارع تُكسّر، هذا عدا الإعتداء الممنهج على الممتلكات العامة مثل حرقها أو سرقتها أو ما شابه! ومن ثم نقول نحن مجتمع محافظ! والسؤال على ماذا نحافظ فعلا؟ على الممتلكات العامة؟ أعوذ بالله. على الأخلاق والآداب؟ لربما في الظاهر!
لكنّ ما يزيدنا تناقضا أننا ندّعي الإسلام في حين أن الإسلام يحث على المحافظة على البيئة، وفي ذلك نصوص كثيرة، منها: “وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا” (الأعراف، 56)، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (البقرة، 205)، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا ضرر ولا ضرار”، وأيضا أنه قال عليه الصلاة والسلام: “من أماط أذى من طريق المسلمين، كُتبت له حسنة، ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة”. والعجيب أن الأمة التي أُمرت بالحفاظ على بيئتها قد جعلتها وراء ظهرها، في حين أن من لم يردعهم أمر إلهي حافظوا على محيطهم!
إن هذا التناقض يصل بنا إلى البحث عن جوهر المشكلة: فهل الفرد هو المتّهم أم هي السلطات الحاكمة (ومن بينها المجالس المحلية)؟ إننا نرى أن المسؤولية تتوزّع على الأفراد وعلى السلطات، فالفرد والسلطة عنصران أساسيان في القضية. على صعيد الأفراد، نسأل ما هي طبيعة البشر: هل الطفل عندما يُولد يكون خيّرا أم شريرا؟ إن الفلاسفة اختلفوا في الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال أن الطفل بطبيعته خيّر والمجتمع يُفسده مثل روسو، ومنهم من قال أنه شرير والبيئة تُصلحه مثل فرويد، ومنهم من قال أنه لوح أملس بمعنى لا خيّر ولا شرير مثل جون لوك، إلا أننا نعتقد أن الطفل يُولد على الفطرة الحسنة، ولكنّ المشكلة تكمن في البيئة التي لا تنمّيها كما يجب وإن كانت بيئة إسلامية في ظاهرها.
من هنا نصل إلى أن هناك خللا في البيئة التي تُسمّى إسلامية (وهي في الحقيقة لا تُطبّق تعاليم الإسلام كما يجب) ونحن نعلم أيضا أن بيئة الطفل هي التي تُساهم في تربيته، لذا فإن التربية هي جوهر المشكلة، وعليه فإننا نلاحظ أن التربية في هذه الأيام سطحية لأنه يتم التركيز على الظواهر أكثر من الجوهر ومن الباطن، وهي مبنيّة على الخوف أكثر من الفهم والإقناع، ففي غياب أعين الوالد ترى الولد يستبيح كل نهي وهذا أمر جدّ خطير، حتى أن بعض الآباء والأمهات يشتركون مع أبنائهم في فعل الشر، فطالما هم بعيدون عن ممتلكاتهم الخاصة يمكن للولد أن يفعل ما يريد، إذا كانوا في مكان عام يمكن للولد أن يُخرّب أو يُدمّر حتى أمام أعين الأب أو الأم، أما في بيت العائلة فإياه ثم إياه. لكنّ تأثير البيئة أوسع مما فصّلنا حتى الآن، فللقيم التي تُذوّت في الولد من الكتب ومن وسائل الإتصال الحديثة مثل: التلفاز والإنترنت وألعاب الحاسوب أثر ملحوظ، وللأصدقاء تأثير كبير (خاصة أبناء نفس الجيل) وكذلك للجو العام في الحارة التي يقطنها وللإيحاءات التي يراها ولبيئة القرية بشكل عام. مثال على إيحاءات سلبية: نظرية “الشباك المكسور” التي تقول أن الإنسان إذا شاهد شباكا مكسورا في مكان معيّن فإنه يفهم أن كل شيء مسموح في ذاك المكان ولا قوانين حاكمة، ولذا يمكنه التكسير والتخريب.
يتبع …
بقلم: محمود صابر زيد – علم نفس لقب أول