تحليل لقصيدة الشاعر أحمد فوزي أبو بكر
تاريخ النشر: 11/08/12 | 11:09تعليق: د. سامي إدريس لقصيدة الشاعر احمد فوزي ” عشبٌ بسيط “
يطلق الشاعر أحمد فوزي على قصيدته الغنائية الانسيابية الوطنية في أعماقها، فهي ليست ذات شعارات مباشرة متكلفة زائفة، وإنما هي تتغلغل في أعماق جذورنا منذ ألف ليلة وليلة الى يومنا هذا.
…
يطلق عليها عنواناً يبدو غاية في (البساطة )” عشبٌ بسيط” قاصداً المعنى (البسيط) للبسيط . والبساطة في العيش هي الزُهْدٍ والَانْصِرافٍ عَنِ الْمَلَذَّاتِ والتَّنَعُّمِ .وهو يقصد بالبسيط المعنى المتعارف عليه عند العامة أي السهل او القليل والأصح أن نقول الأمر اليسير أو الوجيز، فالبسيط الشيء الكبير الممتد وعكسه وجيز، وكثير من الناس يستعملها على هذا النحو ، ولكن وجب علينا التدقيق في الأمر فالله يبسط الرزق لعباده. لكن الشاعر في هذه القصيدة قصد المعنى المتعارف عليه الخطأ الدارج ، ويحق له ذلك حيث أن الكلمة تجذرت وترسخت في عقول الباحثين والمثقفين والعامة على السواء ولم يعد أحد يشك بصحتها.
ويشبه الشاعر انبلاج القصيدة الى صبح النور بالعشب (البسيط) الذي لا يستأذن الأرض كي ينمو وإنما الأرض موطنه وهو يطلع منها كما تطلع القصيدة من روح الشاعر دون استئذان لتبوح ببيانها دون بيان. يقصد بالعشب البسيط العشب الذي يخرج من الأرض أذا هطل المطر فاهتزت وربت.
وأسطورةُ الشّعرِ عنديَ
عُشبٌ بسيطٌ
فلا اسْتَأْذَنَ الأرضَ منّي لينمو
ولا اسْتَأْذَنَ البوحُ مِنْهُ البَيانْ
ينقلنا الشاعر الى أجواء الف ليلة وليلة إذ يمر بشرفة قصرٍ منيف تسكنه سيدة الأقحوان:
وحارسُ سُهدٍ
على بابِ حجرتها لا ينامْ
وغيمةُ شِعْرٍ إذا أمْطَرَت
سالَت الدّمْعتانْ
يدخل حجرة القصر كواحد من صعاليك ذلك الزمان، وفي القصر عرسٌ كبير، فيمثل دوراً يعيش فيه حلماً لساعات خالعاً جلده الحقيقي، جلد الصعاليك المشردين.
فأخلعُ جلدي ووجهي
وأغفو لحُلمٍ
يغيّبني خلف نهرِ الزّمانْ
ويصور قاع المدينة والصراع الذي فيها فيقول:
وفي القاعِ خَلْقٌ غزيرٌ
يعيشونَ تحتَ الشّموسِ اقتتالاً
يحضُّ اقتِتال
وليس لهم في اليمينِ نصيراً
وليس لهم في اليَسارِ شَمال
ينتقل الشاعر مباشرة للحديث بلغة المتكلم فيعرفنا أنه الآن يتحدث عن نفسه في واقعه:
أنا مستعدٌّ لخوض غمارِ الحقيقةِ
دوماً بأزهى ثيابي
ورغمَ جموحِ الخيال
وقد علّمتني الحياةُ فنونَ التمتّعِ
تحت صنوفِ عذابي
وأخذَ الْمُحال
ويصف لنا على غرار طرفة بن العبد ( ولولا ثلاث هنّ من لذة الفتى)، ذروة عشقه:
وذروةُ عشقي انتظارُ الصّباحِ
وليداً يطلُّ من الأُرْجُوان
وسهلٌ وثيرٌ
يدقُّ مداهُ صهيلُ حِصان
أنا من هنا
سأبقى هنا
أُغنّي لسيّدةِ الأقحوان
إنه من هنا لانتظاره الصاح فلاّحاً يشق فلول الظلام وينادي صهيل الحصان، ويغني سيدة الأقحوان الذي تشتهر به سهول وطننا
إنها قصيدة غنائية عذبة فبوركت أيها الشاعر المعطاء وبورك عطاؤك.