قصائد للشاعر الرافض للإحتلال ألموغ باهار

تاريخ النشر: 12/08/12 | 10:53

قصيدتان من الشعر العبري الرافض

 

1-    هذي القرى الخالية

القرى الوادعة هذي، وقد كانت عمياء لنظرتنا العمياء عشرات السنين

بقيت مكنونة عن العين العبرية، حيث تعلمتْ  هذي العين أن تلعب

بتبديل الأسماء وحرصت على ترقيق ثقل العين والحاء الشرقيتين.

والقرى في سكونها حافظت على جدران بيوت  بقيت صامدة  منفردة

مثل شواهد بعد أن تلاشى صدى التفجيرات،

دافعت عن حجارة انتثرت

بين عشب نما بريًا، ورددتْ في قلبها المهجور منذ جيل أسماءها الممحوة.

كما في الطريق الصاعد غربي القدس: بيوت لفتا ما زالت تنصبّ في المنحدر الجبلي،

وليس هناك راع ليدخلها، فهي نصف مهدمة، نصف مهجورة،

تتصدى لرياح     التغييرات  المصنوعة من صًـلْب وللأسماء المستجدة.

لفتا مأهولة فقط بأشباح الموتى، وبالتائبين والمرنّمين من أبناء برسلاف(1) القادمين  ليتطهروا بماء العين،

وكذلك بالمغمضين أعينهم عقب أسئلة الفتيات العابرة،

وهم يقفوت أزواجًا  حيث حبهم يحوجهم بشدة إلى سقف وجدران،

ولفتا تتناثر فيها إبر المخدرات المرمية.

في منتصف النهار، بين هذه البيوت الملأى بالنُّفايات الجديدة جدًا التي يخلفها ضيوف   يتغيرون.

ضيوف لم يدعهم أحد، أخذ حلم يقظة يجتاح رأسي، وأنا أتذكر نبوءة س. يزهار(2)،

التي كانت كُتبت في أيام الحرب تلك، الطويلة، القاسية، الحبلى

بالقدر: لن تستطيع هذه البيوت الخالية –إلى الأبد- أن تستمرعلى صمتها،

سيأتي يوم فيه ترفع أصواتها بصدى صراخات قديمة،

والجدران تذكّـر بماضيها وهي ترويها لسكانها الجدد، وهي تتحدث بلغة سكانها القدامى،

  الذين  خلّـفوا وراءهم سريرًا غطاؤه دافئ، والقهوة قبيل الغلي،

وكتاب أدعيات ما زال ينتظر أن يكون مقروءًا في ذلك الدعاء نفسه.

الهيكل الثالث – الأخير- سيهبط من السماء في أحد الأيام، وكله من صنيع الله.(3)

وكذلك القرية، القرى الكثيرة هبطت من سماء الله مع سكانها الذين شاخوا كثيرًا،

وبذا تتم نهاية شتاتهم الطويل على الأرض، بين مخيمات  اللاجئين الفلسطينيين ذوي الذكريات المغتاظة.

وفي لحظة عودة الأصوات القديمة: ثمة نداء الاستيقاظ للصلاة ونداء الأمهات، أصوات الغناء في الحب والأعراس،

  وأصوات القصاصين الكهول ذوي الشوارب الكـثـّة،

وبسماتهم المتسعة وهم يصفون خلال ألف ليلة ويوم كيف خلت البيوت وكيف عادت لتكون عامرة.

في أثناء ذلك آباء كثيرون -مثل الله الواحد أيامذاك- يأخذون أبناءهم

(كما حدث مع موسى نبي بني إسرائيل قبيل وفاته)، حيث يُـرونهم البلاد الموعودة  المزروعة بالقرى الخالية،

وذلك من جبال نبو الشامخة الكثيرة التي تعلو حولها.

2-   إلى مروان مخول، قصيدة وداد

” مخيم النَّـيْـرَب- مكان فيه انتبهت إلى أنني  منه أنني أكتب عن قضيتي،

وليس منها”          مروان مخول في قصيدته “مخيم النيرب(4) تقريبًا” 29/1/2007

وماذا نعرف عن الحياة. عشرين وبضعَ سنين

نحن محتارون بين نشرات الأخبار

وبين حركات الغيوم في السماء، نتحرك بين

صمم العيون وبين بكم القلب. سافرتَ

ووجدتَ لك منفذًا تمر منه، عن طريق كف يد شيخ

لتدخل إلى مخيم اللاجئين- النيرب.

ربما بعد أن يموت الشيخ نمسك نحن بمطرقة

وندق بدلاً منه في مساميره التي صدئت

حتى نثبّت سلمه الخالد على كتف السماوات.(5)

ربما نلقي نحن بالمطرقة بعيدًا كأنها مفاتيح السماء.

عشرين وبضع سنين

نمنا، نربّـي على جراح آبائنا كالغرباء،

ننشئ مخاوف جريئة تتوّج شعرنا. وصمتنا،

ننشد عن الحرب كما السموءل أنشد على أطلال الموقد

حيث كانت قبيلة حبيبته.

ماذا نعرف عن الحياة، عشرين وبضع سنين

ونحن محتارون، وليس هناك من يخلّصنا من هذه الحَـيرة.

سافرتَ ودخلت مخيم اللاجئين

من ثنايا سكون العرس، من ثنايا المخاض الذي هيمن

على امرأة، وأردت أن تتراجع

لا لكي ترى ما قل من مشاهد رأيتها. وكيف

نصلح سقوف الزنك المتهاوية، التي تؤدي إلى

عويل الصبايا الجميلات؟ كيف نوسع الأزقة

التي تحول دون مرور النعوش، على الأقل

حتى نتعلم كيف نأمر الموت أن يتوقف؟

وماذا يجدي إذ نخجل؟ وكلانا كافران، تقيان،(6)

والقصائد  على ألسنتنا رخوة، وليس فقط الشعارات.

عشرين وبضع سنين

نحن حيّـان، وماذا نعرف عن الحياة؟ ماذا

نعرف من أشواق الأرامل، من أغاني البكم،

عن رغبات مقطوعي الأرجل أن يركضوا،

عن ذكريات الموتى؟

وقصيدتنا –في آذان الصمّ- ماذا يعرف هو

عن آذانهم؟

عشرين وبضع سنين ونحن حيّـان،

وما زلنا نكتب عن الحياة،

وحتى الآن ليس منها.

………………………………………………..

* ألموغ باهار:

ولد في نتانيا، ويعيش اليوم في القدس. شاعر وكاتب، حصلت قصته “أنا من اليهود” على جائزة القصة القصيرة سنة 2005، وقد ترجمها محمد عبود، ونشرها في مجلة الهلال المصرية: له أربعة كتب، أولها ديوان عطش آبار (بالعبرية- 2008)، وفي هذه السنة نفسها أصدر مجموعته القصصية “أنا من اليهود”، وقد تبع هذين الإصدارين ديوان شعر آخر ورواية.

………………………………………………………………………………………………………………………..

ملاحظات للتوضيح:

1–  أبناء  برسلاف: جماعة يهودية متزمتة، جاءوا من هذه المدينة.

2-      س. يزهار: كاتب عبري كتب روايات ومسرحيات منها “خربة خزعة”، وهي معروفة بحدة نقدها.

3-  في نهاية الأيام كما أجابني الشاعر بخصوص ذلك، وهو له ميوله الدينية، حيث لا يتعارض في رأيه مع عودة اللاجئين، ويعطى كل ذي حق حقه.

4- النيرب: مخيم اللاجئين الفلسطينيين قرب حلب.

5- يتناص الشاعر مع قول مروان في قصيدته:

دخلت المخيم/ من كف شيخ.. يدق/ مساميرسلمه الأ[دي/ على كتف السموات

6- تناص آخر مع قصيدة مروان:

ففي البيت ضيق يضيق/ وجدت بصدر الممر صبايا جميلات/ ينحن/ يحدقن في  سقف زنك تهاوى/ رفعت عيوني اكتشفت/ على سطح دار فلان:/ فلان يناول آخر نعش فتاة تموت…… لعلي أخبئ جهلي/ وكفري التقي هناك.

 ترجمة: ب. فاروق مواسي

تعليق واحد

  1. حية: لم أجد هذي القصيدة ضمن صفحات الأدب (قصائد شعرية)
    وجدتها فقط عندما استعملت محرك البحث
    شكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة