حوار صحيفة السفير اللبنانية مع مروان مخول
تاريخ النشر: 14/08/12 | 5:47أجرت الحوار: عناية جابر
البسفلورا ..فاكهة الفوائد الكثيرة ..ملساء الملمس نور ونار الداخل ..لماذا أرضها حزينة ..وما صلتك بك بكم بفلسطين؟
· لا شيء يربطنا بالباسيفلورا سوى أنها نبات دخيل على تربة البلاد، جلبه الاسرائيلي ليفرضه على طبيعة المكان والأرض. هذا النبات متسلّق بطبيعته حقيقةً ومجازًا، تسلّق البرتقال الأصيل في فلسطين حتى اكتسحه فأصبح شكل البرتقال الخارجيّ وكأنه هذا النبات المحتلّ. لم تكن مسألة اختياري لعنوان كتابي “أرض الباسيفلورا الحزينة” والصادر عن دار الجمل في بيروت محض استعارة تجمع بين طبيعة قصائدي وطبيعة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فقط، إنما هي أيضًا قصة واقعية حصلت معي، فبعد أن نشأت في بلدتي البقيعة اخترت لي أن أستوطن في أرض بلدة ترشيحا المجاورة والتي احتلها الاسرائيلي ليبني عليها مستعمرة “معالوت”، كان دافع تسهيل عملية استقرار سكناي هناك رديف الفكرة الأخلاقية والنضالية – إن صح التعبير- في استرجاع الأرض من خلال الاستيطان العربي في المستوطنات الاسرائيلية. أمّا الباسيفلورا فكان دورها في المقطوعة النثرية من الكتاب في تخطّيها الجدار الفاصل بيني وبين جاري في المستوطنة لتتسلّق من حيث لا أدري شجرة البرتقال التي زرعتها نضالاً في بيتي الكائن في المستوطنة. وبالتالي أخذتني الحادثة إلى فهم إضافي لمسألة أن لا شيء غير طبيعي في الطبيعة يدوم، كون الباسيفلورا نباتًا متسلقًا لا يعمّر كثيرًا!
قصائدك تحمل في بطنها غريبين وغربة..وتعانق الارتقاء الإرتقاء لوطن في قصيدة ….من هم سكانك الغربين ..؟؟
هل هذا هو الحال في فلسطين مذاق مغترب من البطن للحلق لتناول النهار ؟
- · أعتقد أن مع تجربة الكتابة الدؤوبة ينشأ في القصدة مجتمع من الشخصيات الرمزية والتي تتشكل لا اراديًا مع تطوّر النص، ولا أعتقد أنني أختلف عن سواي من الشعراء في خلق مجتمعي الخاص بي، والذي على ما يبدو سيكون مجتمعًا بعيدًا كل البعد عن الانتماءات القومية والدينية والعرقية الخ الخ.. بحيث تخيلته القصيدة نيابة عنّي مجتمعًا من أعراق عديدة تتمنى أن تتعايش في فلسطين بدون تمييز عرقي أو ديني.
إن دور القصيدة الفلسطينية في الصراع هو خلق أمنية يجب أن ترتقي بالفلسطيني من كفاحه الوطني إلى كفاح انساني وأخلاقي، بحيث يطالب بحقوقه كشعب (عبر القصيدة مثلاً) من منطلق ما يجب تسميته حقًا انسانيًا لا تاريخيًا أو وطنيًا. أمّا بخصوصنا نحن الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل وهذا جوهر سؤالك على ما فهمت، فللقصيدة لدى هذه الأقلية في دولة تحت سيادة يهودية كما هو في الحاضر دورًا مهمًا في خلق مجتمع يطالب بحقوقه كأقلية عرقية ساعيًا إلى السلام والمساواة الفعليين مع اليهود، وهذا شبه مستحيل مع وجود نظرية مثل “يهودية الدولة”، وحتى لو تم التنازل عن يهودية الدولة فلا يكفي هذا السلام والمساواه الداخليين دون تحقيق أمرين لا يقلان أهمية، الأمر الأوّل هو حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين المتمثل في حق العودة إلى ديارهم وبناء دولة فلسطينية كاملة السيادة، والأمر الثاني ألا يتنازل هذا الفلسطيني في الداخل عن هويته الثقافية الفلسطينية وتمسّكه الحضاري بكل ما يجعله يستطيع أن يحافظ على نفسه ثقافيًا كفلسطيني بكل جوانبه. الأزمة التي تحاولين الاقتراب الى موضوعها في سؤالك هي أزمة الهوية والتناقض الحاصل لدى هذه الأقلية الفلسطينية في دولة اليهود، فلا هم اسرائيليون بكل ما للكلمة من معنى ولا هم من يمارسون فلسطينيتهم بالمعنى المدني من جهة أخرى. وهنا تكمن المشكلة وتولد قصيدتي التي تحاكي بلغة ساخرة أحيانًا ودرامية تراجيدية أحيانًا أخرى، فمسألة النشيد الوطني الاسرائيلي الذي لا يمت للأقلية العربية في البلاد بشيء من الصلة أو مسألة الاحتفالات بعيد الاستقلال الذي يدوّي ضجيجه ويخرق أذاننا نحن مواطني هذا البلد الذي يحتفل باستقلاله وانتصاره عليّ منذ قبل أكثر من ستين عامًا، هذه هي الضائقة الفلسطينية التي تخص فلسطينيي الداخل بالأساس.
قصيدتك تبدو في أميرة لها الوصيفة و الحاشية والخدم وليست جندي مجهول ..يعاني بالخفية ..؟؟
- · هذا تحليلك عزيزتي، ومع هذا أفهم دوافع انطباعك هذا، فقصيدتي بنت بيئتها الرافضة إلى التمييز العنصري وبالتالي ترى بذاتها قيمة نضالية دفاعية غير متواضعة تسعى إلى الصراخ بدلاً من العمل خلف الكواليس محاولةً نقل الواقع السياسي والاجتماعي إلى العالم ساعية بذلك إلى تحقيق قفزة شعرية وسياسية في آن واحد ولا ارادي.
الحذاء الوطني !!!! كيف يتحول الرجاء لحذاء ؟ وكيف ننزل عن صهوة التعالي لنغسل وجهنا بتراب تدوسه وهو لكم ..فلسطنيكم؟
- · “نشيد الحذاء الوطني” هو تعبير شعري ساخر صدر منّي في الفترة الأخيرة قبل الثورات العربية وذلك جرّاء الصمت العربي في تلك المرحلة ازاء ما يحصل من مجازر يرتكبها الاحتلال في غزة، وهنا أردت التأكيد على أن الحذاء الذي يشبّثني بالأرض يحمل رمزية ما، ولسنا في صدد شرحها هنا. كنا في المرحلة الأخيرة ما قبل الحراك العربي عبر الثورات قد فقدنا الأمل تقريبًا، وهذا ما جعلنا نلفظ أنفاسنا الأخيرة حاملةً من خلاله ما لا تستسيغه حاسّة الشم في الأقطار العربية، ولكن وعلى ما يبدو فهذا ما يسمّى حمّى العَشَمْ!
عربي في مطار بن غريون :
شاشة مرئية…لكن تبدو يتيمة الحال مظاهرة ذاتية في جريان يومي روتيني لا يخدشه أحد …هل تعتقد ان القصيدة مؤثر كاف لتغير وتيرة نظام؟
- · لا أكتب قصيدة مثل “عربي في مطار بن غوريون” لأغيّر العالم، إنما هي محاولة للتعبير عن التمييز العنصري الذي يمارس علينا في كل مؤسسات الدولة، وبالتالي تصبح القصيدة نوع من أنواع العلاج النفسي للترويح عنّا أولاً.
ولكن وبالمقابل، نعم! أستطيع أن أقول بأن القصيدة تساهم في استفزاز القارئ وحث مشاعره على التعبير بشتّى الطرق الفنية وغير الفنية، لذا نكتب ونرسم ونغنّي، آملين في فعل حراك ما قد يساهم في قضيتنا كجماعة وفي قضيتي العينية كفرد من هذه الجماعة.
بعد نشر قصيدتي هذه وتناقلها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، تجاوب معها مئات الالاف من الفلسطينيين مسرّعة بالتالي كعنصر تعبيري إضافي إلى تعجيل سن قانون يقضي بتعويض المسافر بحال تعطيله عن السفر جرّاء التحقيق الأمني في المطار. لم أكن لأذكر هذا الأمر لولا سؤالك المحفّز والمستفزّ. علمًا بأنني أعي جيدًا بأن السلطات الاسرائيلية لا تتجاوب بشكلٍ عام مع مطالبنا كجماهير عربية أصلية في البلاد
محمود درويش سميح القاسم تربطك بهما طفولة وكبر …هل انت من مد انفرادي ام امتداد لهما؟
- · محمود درويش وسميح القاسم قامتان شعريتان منفردتان ومختلفتان ومساهمتان في رفع شأن القضية الفلسطينية، ولا شك بأن المساحة هنا تضيق أمام محاولتي في تقييم تجربتهم الشعرية، لذا أكتفي باعتبارهما رمزان كبيران لنا كفلسطينيين.
ربطتني بهما علاقة قويّة جدًا، وأكاد أتجرأ على القول بأنهما تابعاني وتابعا معظم قصائدي قبل نشرها. وما نهلا عليّ به من ملاحظات وارشادات يكاد يكون جائزة مهولة لن تتحقق لي مثلها في أي وقت أخر.
كان لعلاقتي بهما أثرًا شرسًا في تكويني وانشاء شخصيتي الشعرية والاجتماعية، ولا أنكر تأثّري بهما في المراحل الأولى من بناء مشروعي الأدبي، ولكن ومع غياب محمود درويش ووعكة سميح القاسم الصحيّة (أتمنى له عمران اضافيّان) بت أسمع كلامًا كبيرًا من الناس حول دوري ودور شعراء فلسطينيين أخرين في حمل الشعلة والتقدّم في قضيتنا المقدّسة. ولكن ورغم الكرم الكبير والحب الجميل لشعبي ولأهلي إلاّ أنني لا أرى في مشروعي مسألة تكميلية أتابع فيها مشوار أحد، أولاً لأنني لا اؤمن بأنني أكتب لأساهم في النجاح السياسي لدى الجماهير العربية بقدر ما اؤمن بحاجتي إل الاستقلالية الفنيّة بعيدًا عمّا يطلبه الجمهور. ثانيًا والأهم، أنني قررت بعد بلوغ رشدي الثقافيّ –إن جاز التعبير- بأن عليّ بناء مشروعي الشعري الخاص والذي لا يمت للسالفين برابطة تفوق الحجم الصحّي، أي أن عليّ كشاعر أن أنهل من هذا الموروث الثقافي لأبني مشروعًا جديدًا مختلفًا فنيًا ومتوافقًا سياسيًا بطبيعة الحال، ومن هنا أستطيع القول بأن قصائدي في السنوات الأخيرة لا تحمل في طبيعتها سوى هويّتي الخاصّة، وبالتالي أستنتج بأنني لست وريثًا لأحد بل أنا أنا وسأرحل أيضًا.
** عن صحيفة السفير اللبنانية