عن بعض مظاهر محنة اليسار العربي وافاق المستقبل
تاريخ النشر: 15/08/12 | 0:24شهدت الحياة الفكرية العربية في العقدين الاخيرين ضعفاً وانحساراً ملحوظاً لنشاط وعمل التيارات الايديولوجية اليسارية والأحزاب التقدمية والدمقراطية، بفعل سقوط وانهيار التجربة الاشتراكية ونتيجة الملاحقات السياسية والارهاب الأصولي والقمع الفكري الممارس من السلطتين السياسية والدينية ضد الأوساط والقوى والنخب الفكرية العلمانية والطليعية المسلحة بالعلم والثقافة والوعي، والمؤمنة بالتغيير، والمطالبة بالدمقراطية والحرية، والمقاتلة بلا هوادة دفاعاً عن العقل وكبرياء الفلسفة وشرف الانسان وكرامته وحريته.
هنالك تحريم وكبت للحريات الدمقراطية وتغييب لاشراقة العقل وللفلسفات التنويرية وتدمير للكيان الثقافي والسياسي للانسان والمجتمع العربي، وثمة انبعاث للصراعات الاقليمية والعشائرية والطائفية وللنزعات اللاعقلانية ، وكذلك صعود مذهل للموجة الدينية الأصولية المتطرفة والقوى المتعصبة والمتشددة المعادية والمناهضة للعقل ، واندثار للقيم الثقافية والثوابت الوطنية والثورية وتكريس التبعية للامبريالية الامريكية. والسؤال المطروح: كيف نتعامل ونتعاطى مع هذه التفاعلات والأوضاع الراهنة على ضوء تراجع قوى اليسار في الوطن العربي وتنامي الأصوليات الدينية المتطرفة؟!
باعتقادي انه لا مستقبل بدون الفكر العقلاني العلمي والدمقراطي الانعتاقي المتنور في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وعلى جميع التيارات والاتجاهات والمذاهب الفكرية اليسارية في عالمنا العربي القيام بمراجعة نقدية للذات وقراءة جدلية صحيحة للواقع السياسي وتناقضاته، والاستفادة من التجربة الماضية والعمل على احداث نهضة حديثة ، وتجديد الفكر السياسي والاجتماعي والرؤية الثورية بحيث يتلازمان مع معطيات المجتمع . هذا بالاضافة الى دراسة تراثنا الثقافي والاجتماعي والديني والالمام به واستيعابه نقدياً ، وتنمية قدراتنا الابداعية والخلاقة الذاتية واعتماد نهج عقلاني وحضاري بمنظار تقدمي وعلمي ، وبناء حضارة عربية تجمع بين الأصالة والتراث القديم والثقافة النقدية ومكتسبات الحضارة الانسانية العالمية. وزيادة على ذلك تشكيل حصانة فكرية وثقافية ضد السلبيات والأفكار الانهزامية والثقافة المتعولمة ، والتمسك بالمواقف القومية والطبقية والثقافية والفكرية عدا عن الانغماس أكثر بالبيئة والجذور الشعبية ونبض الناس والتفاعل مع همومهم وعذاباتهم اليومية الى جانب الاستمرار في طرح البديل الثوري التقدمي والتغييري المستقبلي الشمولي ، الذي يبدد الجهل ويكسر الاستبداد ويواجه القهر والاضطهاد والظلامية ويلبي طموحات وحاجات الجماهير والفئات الشعبية المسحوقة الكادحة بالحياة الانسانية الرغيدة الهانئة والكريمة تحت سقف المجتمع المدني الدمقراطي والحضاري.