الرجل الذي أصبح كلبا
تاريخ النشر: 22/12/14 | 9:06ضاقت به الحال وساءت أوضاعه حتى بات يتوارى عن أهل الحي الذي يقطن فيه. لم يجد مصدر رزق يقتات منه ويسد رمقه. كثير اللوم والشكوى ولا ينفك يذكر عقوقه لوالديه اللذين طالما نصحاه بان يهتم بدراسته ليكون عضوا فاعلا في المجتمع، ليستطيع التغلب على صعوبة الحياة. لم يصغ لأقوالهما البتة، وبكل بساطه، لأنهما يمتلكان مصدر رزق يمكنه من العيش في بحبوحة.
انتقل والداه إلى الرفيق الأعلى، واستفرد بما ورثه عنهما من مقومات للحياة فبدده ذات اليمين وذات الشمال. أصبح تائها؛ فلا مؤهل علمي يقيه تقلبات الدهر، ولا مال يفيه متطلبات العيش من مأكل وملبس.
الآن يعيش في بيت خرب يعود لخالته البائسة. فبالكاد يجد عندها لقمه تسد رمقه، إلا ما يتصدق به الجيران عليهما. ضاقت الدنيا في وجهه وأظلمت. فكلما طرق باب عمل يسأل عن مؤهلاته-التي يفتقدها- فسرعان ما يتم رفضه. بقي على هذه الحال مده طويلة ولم ير اي بصيص أمل في العمل.
حدثته نفسه بترك قريته لأنها-حسب ظنه- مكان شؤم، فحمل ما بقي لديه من جسد هزيل، وعينين غائرتين، ومعدة خاوية وهام على وجهه. لم يكن في وداعه إلا مجموعة من الكلاب الضالة. وبجهد ومشقة تمكن من الإفلات من براثنها.جلس على كومة من التراب يبكي أمه وأباه اللذين اخلصا له النصيحة نادبا حظه اليوم وتعثر معيشته بعدهما . هو يعترف في قراره نفسه بأنه عقهما اشد العقوق ولم يكن لديهما إلا سلاح البكاء، لأنهما يعلمان علم اليقين بأنه سيحصد هذا العقوق لاحقا. كانا يرجوانه بحسن المصاحبة لتكون له رصيدا بعد موتهما، ولكن دون جدوى.
دخل قرية أخرى وكان على راس المستقبلين له مجموعه كلاب شرسة، نعم اشد شراسة من التي ودعته في الخروج.هرته وطاردته فأطلق ساقيه للريح– على الرغم من ضعفه الجسدي- ولم ينقذه إلا ولوجه بيت امرأة مسنة، تعيش في الضاحية الأولى من هذه القرية.
عطفت عليه وهدأت من روعه وحكى لها قصته منذ صباه إلى هذه اللحظة. وعدته بعيش كريم لديها مقابل الاعتناء بكلابها الصغيرة التي مات أصحابها وخلفوها وراءهم. فهي امرأة حنون تعطف على البائسين من بشر وحيوان.ولذلك أصبحت تؤوي الكلاب المتشردة، لئلا تنفق أو تعتدي على احد. وقضى مع الكلاب شهورا عده وأصبح بينه وبينها ألفه وود، فطلب من ربة البيت أن تسمح له بالمبيت مع الكلاب . فأصبح يشاطرها مائدتها وشرابها، بل وحتى لغتها، وذاب معها.
يونس عودة