تعليق أولي على "صبرا جميلا – الصبر طيب" للشاعر ابراهيم مالك
تاريخ النشر: 26/08/12 | 10:31يقع الديوان في 88 صفحة من الحجم المتوسط ويشمل 34 قصيدة ومقطوعة نثرية. بعض القصائد مستوحاة من اعمال فنية لثلة من الفنانين العرب, فلسطينيين، اردنيين ومغاربة, مما يضفي على الديوان بعدا جديدا من الابداع ويدخل القصائد في ديناميكية الحوار – النقاش بين ذاتين على الاقل, يضيف اليها الشاعر من حين لآخر ذاته الاخرى.
في لوحات الفنان التشكيلي جمال حسن يجد الشاعر ما يشعل ذاكرته, فيشده الحنين الى اماكن مختلفة والى زمان قد مضى، يتمنى عودته، فالشاعر ينألم ويفرح معا لايقاع الذاكرة، ذاكرته وذاكرة صديقه فيقول:
” انني اسمعها فاصغي لايقاعات حشرجاتها
الاشبه ببوح حزن شفيف
وقد راحت تخرج من اعماق تصدعات ترابية سمراء …”
وفي منحوتة مجنحة للفنان أحمد كنعان يرى حوار عشق بين الفنان وحجر الجليل حتى يرى نفسه في المنحوتة، حاملا حجارة البيوت على ظهره:
“….. وقد التصقت الحجارة بظهري،
كأنها الذاكرة الموجعة
تظل مشتعلة بي
فلا انسى …..”
وحين يعاود تأمل اللوحة من جديد يصل الى مرحلة تتقمص اللوحة ذاته فيستحيل هو نفسه الى :
…. ذاك الطائر صخري الجناح,
المنتفض على ما حوله من رماد،
أملا في ان يولد من جديد،
ليعاود الطيران المجنح،
بحثا عن عوالم واعدة، ….”
ومن لوحة للفنانة القرعاوية رانية عقل، يستوحي الشاعرة قصيدة “وفيما انا” ففي اللوحة يرى ظله ويهده “وجع الحنين الى ما كان وطن” فيواصل السير رغم الصعاب “بحثا عن عبق خمر لا يسكر
قد يحيي امل حياة
وينعش نتف ذاكرة …”
ومن صورة للفنان الاردني عبد الرحيم العرجان لمنحوتة حجرية يرى ترابطا قويا بينه وبين الحجر، فكلاهما ابناء الحياة ليسأله:
“عن فتحته وما تكون؟
أهي نفق حياة
في طرفه الآخر بؤرة ضوء!”
وفي قصيدة امنية نجد صورة شعرية رائعة تربط ما بين السابق واللاحق، وعن نشوء الجديد من القديم، ليشكلا معا امتدادا كونيا واحدا:
“رأيت جذع شجرة ازدرخت ثخينا
وهبته حركة الحياة بعض فراغ أشبه بنفق محفور في الجذع
تطلع منه شجرة اخرى ….”
ومن مجموعة صور للفنان القرعاوي رشيد بيدوسي يستوحي شاعرنا قصيدة “شكرا رشيد”:
….. فقد اعلمنا رشيد من حيث لا يدري
ان مطرا سخيا ذرفته عيون غيمة حبلى بقطرات مطر
فاستبشرت به امنا الارض السمراء
وراحت فرحة تغرد اهازيج طلق ولادة.”
في قصيدة “الله …… ما اروعها” يحدد الشاعر السؤال الاساسي في الحياة وضرورة الخيار بين الراحة بلا معرفة وبين السعي المنهك للوصول الى عوالم مجهولة، معرفة وعناء، ليختار الثانية التي تجعل الحياة جديرة بأن تعاش:
“ان اجمل ما في الحياة
هو هذا السعي الدائم الحثيث بحثا عن تراكم معرفة
بحثا عن سرحان عقل وعن التجدد الدائم الواعد، ….”
لعل من اجمل الصور الشعرية في الديوان هي تلك التي زخرت بها قصيدة “هو النهر يا رانية” يشبه بها حياة الانسان، حياته، كنهر ينبع من رحم جبل، لا يعترف بحدود خطتها بساطير الجنود، يبدأ جريانه فوارا مزبدا، حاملا طمي الوحل وعذب الماء حتى يضنيه السير فيهدأ:
“فراح يسأل عن ضفاف بحر
ليستحيل قطرة ماء تحملها الريح على صورة غيم
سرعان ما يسح ندى
يغسل بتلات زهر ويرونق عشب بر”.
….”فراح يبحث عن مصب بحر ليعود قطرة ماء.
لحظتها بدأت اعي حقيقة موجعة ومفرحة أن جريانه هو جرياني”.
بقلم حسام مصالحة, كفرقرع
كتب في هذا السياق:إصداران جديدان للشاعر والكاتب القاص ابراهيم مالك
حسام مصالحة احد الناس اللذين افتخر كوني مصلحاويه لكونك احدهم ادامك الله يا احد مفاخر ووجهاء بلدي العزيز
حقا إننا نلمس في ديوان أبي وصديقي أبو مالك إبداعا رائعا تتجلى فيه فنون عدة إلى جانب فن الكلمة و قد لا ينتظر المبدع التكريم في هذا الزمان ولكن كم هي رائعة هذه أللفتة الكريمة فشكرا د. حسام مصالحة شكرا على هذه الإضاءة الجميلة لهذا الابداع.
اما قصيدة “هو النهر يا رانية” فقد تعانقت مع قصيدة “أيها النهر أنا الماء سعيد العفاسي” بحوار خاص بين العزيزين
ها أنا
آتيك طوعا
أحمل ما تبقى من عطش النهر
وأرصف العمر جسرا للعبور
وظلي المفجوع
يسأل : كيف لي أن أعرف سر الضفة الأخرى؟
وغيري يقف في الضفة العصية
يفقأ عين الشمس
كي لا يتبخر ما تصاعد من رذاذ الفجر
ها أنا آتيك
أيها النهر الواقف شيخا
ومعي حكمة السؤال :
هل للنهر ضفتان؟؟؟
هل للضفة نهران؟؟؟
هل للقلب زهرتان ؟؟
هل للحب قلبان ؟
هل للقلب حبان؟
أم أنك تجتر خبز غيرك
بعدما أعيتك تفاصيل العزلة
أيها النهر
هل أنا الضفة المقصودة؟؟؟
أم أنك ضفة تنتظر
عودة المجرى للناعورة التي تطحن
حصى الوقت
وتهب اليباب للربيع المتصلب ارتجافا
أيها النهر
أنا الماء
هو الطهور أنا
أطهر طحلب المسارات
وأرتب نبضي
خطوي
لغتي
لوني
شكلي
كي أوقف زحف الرمال المتداعية
أيها النهر
أسألك بحكمة الهواء
هل يسبح فيك الظل مرتين ؟
أم أنك تبحث عن وجود خارج المجرى
أنا الماء
فدعني أجرب تطويع الأحجار
والأشجار
والأمصار
وأبشر بالربيع
ملاكي
ها أنا أنبجس من فاس
لكي تدب في الطرقات وردة
وتنبت في الضفاف المعلقة
سهوا
تباشير الصباح
ها أنا أمد كفا مخضبة بالطل
وأخرى مضمخة بالورد
دعني
أنا الماء القادم من الغرب
أعيد للنهر مجراه
وأعلن حق العودة
قبل ارتداد طرف السنون
إلي
أيها النهر
من سواي يغسل نقع الانتظار
من غيري تسمو به الأشجار
من سواي يعود للأرض مرتين
ليتلو جهرا :
“وكان عرشه على الماء”
من غيري يسكن النهر
أيها النهر
أنا الماء.
لك مني كل الشكر ودمت بود يا صديقي