العنف… أسبابه ودوافعه

تاريخ النشر: 28/08/12 | 6:35

عالج القران الكريم كافة مشكلات الحياة على اختلاف انماطها واشكالها وفي شتى صنوف الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا .  عالج المشكلات الاجتماعية على تنوعها ووضع لها الاطر السليمة والقواعد الصحيحة التي تنظم العلاقات بين افراد  المجتمع وشرائحه المختلفة ,ووثق الروابط المتينة التي من شآنها تقوية عرى العلاقات والروابط ووشائج القرابات , وقوم السلوك البشري الانساني , وفق قواعد سليمة وآسس متينة تكفل لكل فرد حياته وتحفظ حقوقه وترعى ممتلكاته ومكتسباته وحريته . كما وارسى دعائم الاخلاق الفاضلة لرقي المجتمع والحفاظ عليه ورعايته ليكون مجتمعا قويا حصينا امام عاديات الزمن وتقلبات الليالي وتنكر الايام , ولعل كلمة العنف ماخوذة من (عنف) ,اي بمعنى ابى ورفض وخرج على المالوف بحدة وشدة , ولذلك نقول :رجل عنيف اي فيه الشدة والغلظة , فهو عنيف في معاملته قولا وسلوكا ,عنيف في تصرفاته ,عنيف في الفاظه. كل هذه المعاني تعني الشدة والقسوة  وهذه السلوك الشاذة والاخلاق الفظة القاسية ,لها اسبابها ودوافعها , سواء كانت اصيلة متآصلة في النفس , او اجتماعية طارئة على الشخص تقليدا وهوى , وقد يعزى اسباب العنف ودوافعه الى امور عدة منها .

1. العناصر الوراثية – وهذه اصيلة في النفوس ومن مكونات شخصية الفرد , ذلك لان الانسان يحمل هذه الصفات الوراثية من الوالدين خلقا وخلقة ,قلبا وقالبا , فالله خلق الانسان من اشتات الارض واجناسها المتباينة , ومعادنها , فمنها المعدن الثمين والتبر الدفين في باطن الارض. فالانسان مخلوق من تراب كما جاء في القران الكريم ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى” و  “والله انبتكم من الارض نباتا“.  وهناك المعدن الخسيس الدنئ في مكونات عناصر الارض ,لذا فالانسان وجد من هذه  الاشتات والاخناس , فهو خليط من هذه العناصر التي تكونت منها هذه الارض وهذا التراب , ومن هذا تتكون شخصية الانسان الفرد , وفي هذه البيئة بيئة الاسرة (الابوان) وهي بيئة خاصة يولد فيها الانسان وينمو وينشأ ,او بيئة عامة كالمجتمع ومايحيط به  فالابناء اذن يحملون الجينات والصفات الوراثية من والديه سلبا وايجابا , ومن معدن غال ثمين او معدن خسيس رخيص كما اشرنا سابقا ,ومن هنا لا بد من تهذيب هذا السلوك وتقويمه منذ البداية , وهذا يتطلب جهدا مضنيا ومكثفا.

اول علاج هو القدوة الصالحة الطيبة وما تتمتع به من قوة واحتمال وصبر .  فلا بد من توفير الجو الهادئ والتعامل الرقيق حتى يقلد هذا الشخص ويتعود على العادات الطيبة وتوظيفها في معاملته وتصرفه , وتأتي بالتدريب والتعويد المكثف المستمر , الذي يؤدي بالنتيجة الى تهذيب السلوك وتخفيف غلواء النفس واجتثاث حدتها وعنفها قولا وسلوكا والمتابعة المستمرة ومقاومة ما هو ناشز ,ومن هنا كانت الاهمية البالغة الملقاة على الوالدين في التربية والتقويم والاعداد , وهما القدوة الاولى للابناء وعليهما  المسؤولية القصوى في هذا المجال التربوي الهام في حياة الابناء , (وينشأ ناشئ الفتيان فينا ….كما كان عوده ابوه)  . ومهمة الوالدين بالغة وخطيرة في ان واحد ,حتى يتسنى لهذه الاجيال المستقبل الطيب والحياة الطيبة بعيدة عن الاثارة والعنف . فان كان الوالدان على مستوى المسؤولية والمهمة من حيث الاعداد والتربية والتنشئة ومقاومة كل ما هو شاذ وغير لائق ونبذ كل ما هو مشين من تصرفات واعمال قد تصدر عن عن ابنائهم , رفقا ولينا واغراء حتى يتبن للابناء نشوز عملهم وشائنة سلوكهم ,  وتصرفهم , فيقلعوا عنه وينبذو , ومن ثم يقلدوا ويتآسوا بالكريم الفاضل من الاخلاق الكريمة , فنكون قد حققنا ما نرجو وما نصبوا اليه من المطلوب والمبتغى .

2. العامل الاجتماعي ودور المجتمع –  واخص هنا الاصحاب والرفاق والخلة الطيبة ,فهؤلاء النفر من الاصحاب وما له من الاثر والتأثير المبين في التقليد والسلوك والعمل سواء كان هؤلاء الرفاق والاصحاب رفاق صلاح وفضل وبر او رفاق سوء وشر , فالنفس تميل وتحب الراحة والدعة والتفلت من عقالها والتحلل من قيودها ومسؤوليتها . يعتبر هؤلاء النفر ان كل شئ مباح له او يتمرد عليه فيقوم به كيف شاء وبالطريقة التي يراها , وتسول له فيها نفسه فيقوم به وكأنه حق له مكتسب ,  ويلتقي هؤلاء النفر مع بعض , لقضاء وقتهم  والترويح عن نفوسهم , اذ تزين لهم السوء فيرونه حسنا , او عكس ذلك ,وذلك في لقائاتهم في الدراسة ,في السهر والسمر وفي السفر والرحلة ,وهنا مكمن الخطر والخطورة ,ومربض الشر والاذى, او الخير والفضل. ومن تمام خلق المرء ان يكون له خلة طيبة تعينه على الخير والصلاح وتزجره وتنهاه عن كل ما هو مشين معيب ,وقد اشار الرسول الكريم صى الله عليه وسلم قائلا (المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل) فالخلة الطيبة ثمارها الاخلاق الطيبة والسلوك

الصالح ,والخلة الخبيثة ثمارها الشر والاذى , وهذا الفراش الوثير الذي يولد فيه الشر ويعشش فيه العنف , وبذلك يكون هذا العمل وهذا الفرد عالة على المجتمع ووبالا عليه ,عنفا واذى , يستطير شره ويعم خطره , ويمنع خيره , فتكون هذه الفئات افات وبال  ودمار على الافراد والجماعات ,وينتشر العنف ويفشو الخوف والفوضى , مما يؤدي بالنتيجة الى الخروج على المألوف والتحلل من الاعراف الاجتماعية والعادات الطيبة الاصيلة , فيعم الشر ويستفحل الطر ويهدد بالخلاف والخصام والانقسام ,حيث يموج المجتمع بالفوضى , ويدخل الجميع في خلافات شائنة وخصومات عنيفة , فتحل بهم قارعة النقمة والانتقام جزاء نكالا , والاخذ على يد هؤلاء وانزال العقوبة بهم كي يكونوا عبرة لمن يعتبر ليخف شرهم ويوأد اذاهم ويقتل عنفهم وما في نفوسهم من فتن.

3. وثمة عوامل اخرى داعية لولادة العنف ونشآته , وهو عامل ذو اثر كبير , الا وهو الحاجة والفقر  – والذي قد يؤدي الى العنف والتمرد وعدم المبالاة والتحلل من القيود الاجتماعية والعادات الطيبة لمآلوفة , والفقر وبما فيه ذلة وانكسار وضعف  يقف احيانا وراء ظاهرة العنف , اذ يعتبر المجتمع عدوا له , يهضم حقوقه ويحرمه من كثير من الاشياء التي يتوق لها ويسعى , يشعر انه من الصعب عليه الحصول عليها فيرتد مغلوبا او ممنوعا منها , الامر الذي يدفعه الى التمرد والعنف للحصول  على ما يريد , وينحرف ويطلق العنان لنفسه ويركب هواه ويمتطي صهوة الشر والعنف غير مبال بما يترتب على ذلك التصرف المشين , ويقترف الشرور والاثام , وتكون الطامة الكبرى , ومن هنا يجب معالجة جيوب الفقر ومقاومة اسبابه . لذا فان العمل هام لعلاج هذه الافة الاجتماعية الخطيرة و ليؤدي كل فرد من ابناء المجتمع دوره ونشاطه الطبيعي.  ولا يفوتني انه من الاسباب التي نحارب فيه العنف واثاره وجيوب الشر وخطره , التعليم والتوجيه الصحيح والتربية السليمة وهو بالنتيجة من مقومات بناء المجتمع وتطوره ورقيه , وبهذا نقضي على هذه الظواهر الاجتماعية الوبيلة والخطيرة  والامراض الفاشية التي انتشرت في معظم المجتمعات . هذا وقد اشرنا فيما سبق في اثناء هذه الكلمة ما يكفل الحياة الطيبة والعيش الكريم لكافة ابناء المجتمع وافراده , ويسودهم التحاب والتآلف والتعاون والتآزر .

من محمد صبيح

تعليق واحد

  1. بارك الله بك أخي في الله وشكراً على هذا العرض القيم. آفة العنف مشكله يجب على كل منا أن يساهم في الحد منها. والجواب الشافي والأمثل يكمن في معالجة هذه الظاهره بالمساهمه عن طريق الإمتثال لكتاب الله ولنسة نبيه عليه الصلاة والسلام. يقول رسولنا الكريم “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم” {الراوي أبو هريره ، المصدر سنن أبي داوود} وهكذا يكمن الحل أو بداية الحل في الأشياء البسيطه جداً مثل إلقاء السلام والمبادره إليه على من نعرف ومن لا نعرف في طريقنا. فالشاب الضال أو العنيف عندما يرى هذا السلوك الجميل والكريم منا مرة تلو مره ينشرح صدره لنا ويكون أكثر قابليه لتقبل النصيحة أو العتاب. أي أنه بإفشاء السلام تكسر الحواجز وتتوسع قنوات الإتصال. وكل منا عليه العمل والتبليغ من موقعه وبقدر علمه وإستطاعته. دمت برعاية الله ووفقك الله لكتابة المزيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة