لماذا يا هذا 6 – صفحات من كتاب الوجه!
تاريخ النشر: 28/08/12 | 23:50“الفيس بوك” أو ما يُترجَم بالصيغة الحرفيّة إلى “كتاب الوَجه” …هذا العالم الإفتراضي الإلكتروني الذي أضحى عالماً رحباً يجذب (بكلّ ما فيه) عقول الشباب خاصّة ليوجّه اهتماماتِهم ويصنّفها عبر وجوه على تلك الشبكة الإجتماعية، يحمل في طياته الكثير من الخفايا والأسرار التي قد لا تتم مُلاحظاتها أو فهمها لأول وهلة!
أنا لستُ ضد تلك الوسائل والعوالِم الإلكترونية المُلوّنة…لكنني من أنصار فلسفةٍ خاصّة تجعلني أنادي بمسؤوليتي كإنسان عاقل بفهم كيفية العيش مع تلك الوسائل بشكل يخدم أهدافي الإنسانية (كما أراها) لأرتقي بذاتي وديني وفكري!
عندما أختار كتاباً لأُبحر بين صفحاتهِ أو أُغني فكري بثمره…اختياري لا يكون عبثياً عشوائياً…فلأني أقدّر ذاتي وأرى بأنني المسؤولة الأولى عن إغنائها وتنميتها وإشباعِها، أرفض قطعاً أن أكون مستهلكة أو أمَةً فقط لما يضعه لي الآخرون… وبالأخص أن أكون على خُطى الحضارة الغربية دون أن أعي ما وراء ذلك!
عندما أتصفّح بعض صفحات كتاب الوجه… أقف في حيرة من أمري وينتابني قلق شديد على الأجيال القادمة!
لماذا نسمح لهذه الشبكة الإجتماعيّة أن تخترق بيوتنا بدون استئذان وتشرّع أبواب ونوافذ خصوصياتنا؟ ألهذه الأهداف وُجِدت أصلاً؟
أين نحن من الخصوصيّة والحُدود التي نضعها لأنفسنا وبيوتنا وحرماتنا؟ هل وُجدت تلك المواقع ليتواصل الزوج والزوجة من بيت واحد؟ يتحدثان من خلف الشاشة؟! في أمور خاصّة!؟ أين الحياء والحشمة والأدب!؟ أهي في الحِجاب فقط؟! لماذا أضحت العلاقات القُدسيّة في حياتنا مجرد مظاهر كذّابة زائفة!! حتى وإن كانت تحمل في طيّاتها الصدق… أهي ملائمة أصلاً “للنشر” والعَرض أمام الجميع؟؟!
في صفحات كتاب الوجه! حدّث ولا حرج!
ترى إحداهنّ تُشارك الجميع برحلة “خاصّة” جمعتها مع أحضان عائلتها أو وجبة غداء في مطعم كذا أو هديّة “قيّمة” أحضرها لها زوجها (تنشرها مع السعر أيضاً!!)
ألا تعلمينَ سيّدتي أنّ حياتَكِ هي ملكٌ لكِ وحدكِ!؟ وأنّ اللحظات التي جمعتكِ وعائلتكِ هي لحظات قُدسيّة خاصّة أرقى وأسمى من أن تكون على مرأى من الجميع!!
لماذا بتنا نعيش حياتنا بتفاصيلها وكأنها مِلكٌ لغيرنا!؟ نهتم بتعليقات الآخرين وآرائهم وَ “لايكاتهم” !!
ما علاقتي أنا وهُو وهيَ بكلّ ما يجري داخل جدران بيتكِ؟ أهكذا علّمنا ديننا؟ لماذا نقضي الساعات فوق الساعات ونهدر الأوقات؟ أليس الوقت الذي تقضيه الأم أو الأب على كتاب الوجه الإفتراضي هو “الأوْلى” بأن يُكرّس لتربية الأبناء والإرتقاء بالذات من خلال كتاب حقيقيّ نقرأه مثلاً أو أيّ أمر آخر مفيد نصنعه!
لماذا بِتنا نعرض أنفسنا وبيوتنا وأبناءنا أمام الجميع وكأننا مُجرد أشكال فارغة؟!
في صفحات ذلك الكتاب… الكلّ أصبح رساماً، شاعراً وفارساً نبيلاً…! كثيرة هي الوجوه التي اختبأت خلف الحياء والمثالية…! عاشت الوجوه هنااك…لا لذاتها… بل لتكون على صفحات الآخرين…تلك الوجوه لا تشعر بالرضى الذاتي والتكامل مع النفس، بل تعيش على أمل كلمة “لايك” من وجه آخر…تنتظر أخبار هذا وذاك…ما يضيفونه من أشعار…أو صور أو كتابات تافهة!
كثيرة هي الوجوه التي تقضي صباحَها ومساءَها للتصفح والإبحار في أخبار الآخرين… ويا ليتها من أخبار مفيدة…حِكم أو مقالات قيّمة! لا يخفى علينا أنّ معظمها تصبّ في الفساد والسوء والتفاهات!
كيف لتلك الوجوه المتصفّحة “المتصنّعة” التي تكبُر على وجه من الشكليات الزائفة أن ترتقي وتُشغل العقل بما يليق بنهج المسلم الصحيح!
كما أرى…فإنّ نجاح “كتاب الوَجه” (باستعمالاتِه تلك) ما هُو الاّ نجاحاً لحظيا…سيهوي كما هوت أعالي النجوم إلى أسافل الدرك…ولكن ما يهمني فعلاً…هي تلك النجوم التي ننتظرها لتضيء سماء الأمة بفكر وعلم ومعرفة…متى سنخرج من بوتقة ضيقة… لنبني تواصلاً أذكى وأفضل…تواصلاً مع أنفسنا في البداية… لننقل أخلاق ديننا السمح ونرتقي بأهدافنا الإنسانية…نقدّر ذواتنا…ونطمح للعيش مع وجوه مفكّرة…لا تلك الوجوه التي لا تحمل الاّ الملامح الشكلية!
لطالما إنتظرت مثل هذا النقد لموقع الفايسبوك وأمثاله ، أسأل الله أن يكون عملك سبب لإقلاع الكثيرين عنه ، والله لا يسعد القلب إلا بتعلقه بالله عز وجل ، وأفضل صدقه وعمل ذكر الله تعالى ، يليه الصلاه ومن ثم صلة الأرحام بالزياره ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تربية الأولاد ، زيارة المريض ، السعي للإصلاح بين الناس ، تحري الرزق الحلال ، وأبواب الخير والحسنات واسعه وكثيره جداً وهنالك عدد لا يحصى من الأعمال الصالحه .. أعمال أفضل بكثير من إضاعة الوقت على الفايسبوك. ولإدراك هذا الأمر (لمن يستصعب عليه ذلك) يبدأ بفتح القلب لله سبحانه وتعالى ، مثلاً عن طريق قصد درس ديني ، أو إستماع للقرءان أو مجالسة رجل صالح .. والله ولي ذلك
بوركت أناملك أيتها الفاضلة؛ كلماتك ممّا لا بدّ منه….
كلمات نورانيّة ستسير في مسالك الحقّ، وإن شاء المولى ستؤثِّر في جيل نسي دوره الصحيح…..