تذوق صلاتك
تاريخ النشر: 30/12/14 | 10:33الصلاة من أعظم النعم التي امتنَّ الله بها على عباده؛ إن لم تكن أعظمها على الإطلاق؛ فقد عبر عن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة» (صحيح الجامع رقم 3124).
فالمسلم يلجأ فيها إلى الله متجردًا من كل همومه، مُلقيًا بكافة حمولِهِ على الله ؛ مفوضاً كل أمره إليه؛ ويبرأ من كل حوله إلى حول الله وقوته؛ ويناجيه متذكرًا واسع رحمته به، وفيوض عطاءاته إليه، ويتأمل كيف انه حدد له كيفية الصلاة قولًا وفعلاً، فحتى اختيار ماذا يقول وماذا يفعل حمله عنه، ولم يتركه لاجتهاداته وتخبطاته، فاختار له أبلغ وأجمل وأطهر ما يلفظ اللسان فيقف المُصَلّي بين يدي ربِّهِ مقبلاً عليه يستعينه ويستهديه ويستغفره؛ ويجدد معه عهد الولاء والطاعة له؛ والبر والإحسان إلى خلقه؛ فيشعر آنذاك أنه قريب من حنان ربه وعطفه ورحمته وولايته.
واختار له من الأفعال ما يُخضِع القلب ويشعر النفس بالراحة والسكينة والطمأنينة، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا بلالُ ! أَقِمِ الصلاةَ ،أَرِحْنا بها» (صحيح الجامع رقم 7892) فإذا بدأ يتذوق الكلمات يشعر أنه انتقل إلى عالمٍٍ آخر حيث الجمال والجلال، ويستشعر معنى العبودية الحقة لله، فهو الشكل الوحيد للعبودية الذي يتولد منه أعمق معاني الحب، فالله خلق عباده وهو محب لهم وكل ما فرضه عليهم بدءاً من الصلاة وغيرها ليُدرِكوا أنهم لن ينعموا بهذا الحب حتى يستشعروه؛ وحتى يبادلوه حبًا بحب ويصل بهم إلى درجة الرضا؛ فيستجلوا من نعمه الظاهرة نعمه الباطنة، ويستبشروا من نعمه السابقة بنعمه المستقبلية.
وكلما هم الشيطان أن يختلس من صلاتهم فيذكرهم بغوائل الدنيا وتربصها تذكرهم الكلمات بحماية الله ورعايته وأنه كافيهم وولّيُهُم.
فمنذ افتتاح الصلاة وحتى ختامها تذكر الكلمات المسلم بأسماء الله الحسنى التي تعبر عن مطلق صفات الكمال، كلما ازداد إليه تذللًا وإفتقارًا؛ كلما زاده عزة وغِنى عن العباد. فإذا عاوده الشيطان؛ أفاق على الحقيقة الهامة؛ وهي أن هذه اللحظات الثمينة قد تكون هي آخر عهده بالدنيا؛ فيستميت لجعلها خالصة لخالقه ومولاه لاستثمار هذه الفرصة لاغتنام أحسن خاتمة على الإطلاق، فإن لم تأت الخاتمة بعد؛ فيكون قد اجتاز أكبر اختبار للسريرة؛ فتصلح سريرته كلية؛ والنتيجة الحتمية لذلك هي صلاح علانيته فيفوز بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
ومن واسع فضل الله أن هذا المعراج المبارك لايستغرق بضع دقاثق معدودات لا تَعْدِل ما تستغرقه صغار المهام اليومية، إلا أنه يمده بعطاء رباني لا حدود له.