" وقُلْ ربِّ زِدني عِلمًا"
تاريخ النشر: 01/09/12 | 9:51من ذكرياتي التي لا زالت عالقةً في ذهني وتستعصي على النسيان هو ذلك الشعور العارم بالعظمة وتضخيم الذات الذي اجتاحني بعد إنهائي المرحلة الثانويّة!
أذكر أنّني كنتُ الوحيد من أبناء صفّي الذي نجح في جميع امتحانات البجروت/التوجيهيّ، يومها خُيّل إليّ أنّني إنسان “عبقريّ وموهوب” أعرف الكثير الكثير من المعارف، وأمتلك قدرات خارقة للتفوّق في الدراسة والإبداع، ولا ينقصني إلّا القليل لأكون كالشاعر المتنبّي – الذي ملأ الدنيا وشغل الناس- أو لأدخل في سجّل العظماء الخالدين!!
وشاءت الظروف أن ألتحق بالدراسة الجامعيّة مباشرة بعد المرحلة الثانويّة، وتدريجيًّا بدأتُ أكتشف عوالمَ جديدة وحقائق مغايرة!
في المساقات الجامعيّة المختلفة التي بدأتُ أشارك فيها مع زملائي الطلاب الجامعيين رحتُ أتعرّف على حدود معارفي وحدود طاقاتي!
صحيح، لم أكن من الطلاب المتقاعسين، بل تذكّرتُ وصيّة أمّي وأبي لي يوم سفري للدراسة في الجامعة:
“لا تخيّب آمالنا يا بنيّ، وتذكّر أنّنا نقتطع من مصروف البيت لدعمك لمواصلة الدراسة!
نريدُك أن تنجح وتعود بالشهادة لترفع رؤوسنا، ولتتوظّف لتشارك في تحمّل أعباء الأسرة وفي تعليم إخوتك وأخواتك الصغار!”
ولمّا كنتُ – ولا زلتُ – ابنًا بارًّا للوالدين في حياتهما وبعد رحيلهما عن عالمنا – عليهما الرحمة – فقد سعيتُ لإرضائهما في دراستي وفي سلوكي وتصرفاتي!
أنهيت دراستي للقب الجامعيّ الأوّل ولشهادة التدريس بنجاح ملحوظ، وباشرتُ العمل معلّما لموضوعَي اللغة العربيّة والتاريخ في المدارس الثانويّة بهمّة ونشاط وبشعور من يؤدّي رسالة سامية لأبنائنا أجيال المستقبل!
لكن، ما تعلّمتُه في تلك السنوات المبكّرة من دراستي الجامعيّة لم يقتصر على خزن المعلومات وحفظها في الذاكرة – في موضوع اللغة العربيّة وآدابها وفي موضوع التاريخ وأحداثه ودروسه – بل تعلّمتُ أنّني مهما حصّلت من معارف، فهناك الكثير مما لا أعرفه!
والأهمّ، تيقّنتُ أنّني كلّما زادت معارفي ومعلوماتي، زادت وتضاعفت المعارفُ والمعلومات التي لا أعرفها!!
واتضح لي أن لكلّ منّا طموحاته ورسالته في هذه الحياة، ولا حاجة للتشبّه بالمتنبّي أو غيره من “العظماء” لتكون راضيًا عن ذاتك وعن حياتك!
علّمتني الحياة أن أستثمر ما لديّ من قدرات وطاقات، وأن أسعى دائمًا في تطوير ذاتي، وتحقيق أهدافي التي تتجدّد باستمرار، وأن أتسلّح بالإيمان والصبر، وأن أتحلّى بالتواضع مهما كانت إنجازاتي عظيمة!
واليوم، أحمد الله على ما حباني به من نعمه وعطاياه، وعلى ما وهبني من صحة وعافية، وعلى ما غرس في نفسي من حبّ للمعرفة والتعلّم والتجدّد الدئم!
وما أروعَ الآيةُ الكريمة التي اتّخذُها نبراسًا أهتدي بنوره:
“وقل ربّي زدني علمًا”
وكم هو جليلٌ وخالد قولُ النبيّ محمّد، صلواتُ الله عليه وسلامه، الذي أقتدي به:
“اطلبوا العلمَ من المهد إلى اللحد”
وكم تُعجبُني وتتردّدُ في خاطري حكمةُ الشاعر الرائعة:
ملأى السنابلِ تنحني بتواضعٍ – والفارغاتُ رؤوسهنّ شوامخُ!
اقرأ المزيد للدكتور محمود ابو فنه في موقع بقجة (من سيرتي الذاتيّة)
محطّة بارزة وحاسمة “من سيرتي الذاتيّة”
يعطيك العافيه حلو كتير اعجبني المقال
بجننننننن كل الاحترام والتقدير
مقاله متميزة من بستان ابداعك يا والدي٠ كنت وما زلت منبع علم وثقافة٠ لا جف يراعك ودمت لنا خير قدوة يحتذى به٠
للابن البار د. رامي – بوركتَ على هذا التعقيب الرائع مضمونًا وأسلوبًا.
أتمنّى لك ولأفراد أسرتك الكريمة كلّ الخير والسعادة.
تحياتي دكتور محمود.. مقاله رائعه ومعبره… نتمنى ان نكون على خطاك بالعلم والثقافه انشاء الله…
انت فعلا عبقري وموهوب…الى الامام
كل الاحترام