سطّر يا قلم "نحو مسرحة المناهج"
تاريخ النشر: 01/09/12 | 8:52مع افتتاح السنة الدراسية الجديدة ، ومع استعداد مدرسة حوار الرسمية للتعليم البديل في حيفا للاعلان عن تحولها الى مدرسة الفنون الرسمية الأولى في الوسط العربي في البلاد ، يستحضرني حدث حصل معي عندما كنت لا أزال طالباً في المدرسة الابتدائية ، فلا أزال أذكر جيّداً احدى حصص دروس التاريخ في الصف الخامس ابتدائي بكافة تفاصيلها، رغم الفارق الزمني الطويل بين اليوم وبين تلك الفترة التي كنت فيها لا أزال طالباً في المدرسة الابتدائية . الذي ميّز هذه الحصة بالذات أننا قمنا بتمثيل قصة مبايعة علي بن أبي طالب خليفة ، الأمر الذي أدى لاستياء معاوية بن أبي سفيان فاتهم عليّاً بالتورط في مقتل عثمان بن عفّان. وهنا اقترح علينا معلم التاريخ ادريس شحادة من شفاعمرو أن نعقد محكمة تاريخية لنقرر من أحّق بالخلافة ، معاوية أم علي . وأذكر أنه أوكل لكل طالب مهمة ، فمن الطلاب من أصبح قاضياً، ومنهم من أصبح محامياً ، وقد أوكل المعلم لي مهمة الدفاع عن علي بن أبي طالب وأن أثبت في المحكمة أنه الأحق بالخلافة. سهرت في حينه طوال الليل وأنا أستعد لأثبت براءة علي من التهم التي نسبت له ولأثبت حقه بالخلافة . وفي صباح اليوم التالي ، عندما أعلن القاضي (الطالب) عن افتتاح جلسة المحكمة ، شنّف الطلاب آذانهم وأخذوا ينتظرون بفارغ الصبر قرار القاضي ، وبهذا نجح هذا المعلم بجذبنا لحصة التاريخ وحفظ تفاصيل قصة علي ومعاوية من خلال فعالية ممتعة وشيّقة.
فهنا استخدم المعلم المسرح كوسيلة ليحقق هدفه بتذويت المادة التعليمية لدى الطالب ، وبهذا فإن تنوّع الأساليب واختيار المناسب منها ، يكون أول الطريق ليحسن المعلم اختيار الأنشطة التعليمية المناسبة لتحقيق ايجابية المتعلم للموقف التعليمي ، وليصبح التلميذ محور النشاط ، وليرى أن ما يتعلمه ذو قيمة بالنسبة له. كما ان قيام الطالب بلعب شخصية معينة ، يتطلب منه فهم هذه الشخصية والغوص في أعماقها ، وتحليل نفسيتها وعلاقاتها بالآخرين، وموقف هذه الشخصية من الشخصيات الأخرى ، وبهذا يكتسب الطالب (الممثل) معلومات هامة من خلال ممارسته اللعبة المسرحية . كما أن لغته ونطقه سيتحسنان من خلال التدرب على المسرحية .
بالاضافة للأهمية التعليمية وتنفيذ المنهج الدراسي ، يمكن استخدام الدراما في معالجة المشاكل النفسية لدى الطلاب بعد تشخيص هذه المشاكل بواسطة البسيخو دراما. وهنا يدخل عنصر التمثيل التلقائي (الارتجال) ، وفي هذه الحالة يكون الذي يعاني من المشكلة هو المؤلف والممثل. واذا كانت المشكلة جماعية تتصل بمجموعة من الطلاب ، ففي هذه الحالة يشترك هؤلاء الطلاب في ابراز المشكلة من خلال الارتجال.
وبهذا تخدم الدراما موضوع الارشاد والتوجيه النفسي في المدرسة ، الذي هو جزء من المنهج بمفهومه الحديث. وهذا النوع من العلاج يساعد بشكل خاص حالات التوتر النفسي والصراع الداخلي والانطواء ، وأنا شخصياً من خلال تعليمي لموضوع الدراما في مدارسنا نجحت بإخراج عدد من الطلاب من حالات الانطواء ومساعدتهم على الاندماج بمجتمعهم .
هنالك عدد من المعلمين والمعلمات خاصة في الصفوف الدنيا يستعينون بالدمى للتحاور مع الطلاب بواسطة الدمية ومن خلالها ، عندما ندخل اليها الحياة عندما نضع يدنا بداخلها ، أو نقوم بتحريكها بواسطة العصي أو الخيطان ، فتنشأ علاقة خاصة بين الطالب والدمية ، فيعمل على نيل رضاها والتقرب منها. والدمى أنواع ، فهنالك الدمية اليدوية “القفازية”، ودمى الاصبع ، ودمى خيال الظل، والدمى ذات القائم ، والماريونيت “الدمى ذات الخيوط”. وهنالك أساليب لصناعة دمى من انتاج الطلاب أنفسهم وبواسطة أدوات بسيطة . مثل هذه الأنشطة المسرحية يمكنها أن تسهم بدور فعّال في عملية التدريس والذي يمكن من خلالها كشف الطلاب على علاقات انسانية من خلال تمثيل المشكلات بواسطة فرض مواقف درامية ومن ثم مناقشتها .
استخدام المسرح في المدرسة يؤدي الى تذويت المعلومات والحقائق لدى الطالب ، وينمي لديه المهارات الدقيقة والقدرة على تحليل المواقف وإيجاد الحلول السريعة (سرعة البديهة) ، والاعداد لمواجهة المواقف المستقبلية كما يساعد الطالب على فهم وتقبل وجهات نظر الآخرين.
كما ان الانشطة المسرحية تساهم في تطور التعاطف تجاه الآخرين والشعور بالراحة في التعبير عن آراء فرد ما.كما أنها تتيح لدى الطلاب فرص التعبير عن قدراتهم الخلّاقة ليمكن اكتشافها وتنميتها ، كالقيام بتمثيل الادوار واعداد الديكورات والموسيقى التأثيرية والمؤثرات الصوتية ، ويتوقف ما يحققه التلاميذ من إشباع لمشاركتهم في القيام بهذا النشاط ، على مدى تحقيقهم لذواتهم ومدى تنميتهم لكفاءاتهم وقدراتهم المختلفة.
بناء على ما ورد في هذا المقال ، تأتي خطوة مدرسة حوار في حيفا ، الاعلان عن تأسيس مدرسة الفنون الرسمية الأولى في الوسط العربي ، ترسيخاً لمفهوم تنمية شخصية الطالب وصقل مواهبه وتهيئته للإنصهار في مجتمعه ، وخطوة هامة وجوهرية نحو إعادة الاعتبار للتعليم الرسمي في حيفا .