المدونــــة السابعة والعشرون "البديل من العبرية"
تاريخ النشر: 03/09/12 | 3:18تفضلوا لشرب القهوة:
ما أحوجنا ونحن نتناول المشروبات، وخاصة الساخنة منها إلى تحديد ألفاظها، فمنها ما نعرف لفظها بالعربية، ورغم ذلك نلجأ إلى اللفظة العبرية نطلقها في مقهى في شفاعمرو أو في الطيبة، ونقول : (كافيه، كافيه شحور،كافيه بوتس، كافيه هفوخ، كافيه تركي) .
اولاً لنتفق أنني لا أتناول الألفاظ العالمية، فلنترك كابوتشينو، إسبرسو، فلتر، موكا، كاكاو، وحتى (شاي) التي ليست هي من أصل عربي، فكل محاولة للترجمة ستكون عبثية، حالها كحال من ترجم (الفيسبوك)= كتاب الوجه؟؟!!.
ولنبدأ بالألفاظ العبرية التي تحاول هذه المدونات أن تتركز عليها.
ولنتفق ثانيًا أن لفظة القهوة عربية الأصل، ومعنى القهوة في اللغة القديمة الخمرة، وفي ذلك يقول أبو نواس:
يا خاطبَ القهوةِ الصهباءِ يمهرها ….بالِّرطل يأخذ منها مِـلْـئَـه ذهبا
يا قهوةً حرِّمتْ إلا على رجلٍ …. أثرى، فأتلف فيها المالَ والنَّـشَـبا
ثم لما اكتشفت القهوة في بلاد الحبشة، وهم هناك يسمونها إلى اليوم (بونا= بُــنّ في لغتنا) رأى شاربوها أن غلي قرون البُـنّ يقدم سائلاً يشبه الخمرة (تُـقْهي عن الطعام أي تخفف الشهية له- كما ذكر المنجد، ولعلها خلاف ذلك، والله أعلم). ويقال- على ذمة موسوعة ويكيبديا- إن الرازي في القرن التاسع الميلادي ذكر القهوة في أحد كتبه.
فلماذا إذن نطلب קָפֶה שָׁחוֹר ولا نطلب قهوة سمرا (سمراء)؟
ألم تسمعوا بالمقطوعة الجميلة التي تعلمها جيلي في الصف الثاني، وهي لمامية الرومي (ت. 1580م):
أنا المحبوبة السمــرا … وأجلى بالفنـــــــــاجين
وعود الهند لي عطر … وذكري شاع في الصين
קָפֶה בוֹץ = قهوة راسِـبة
أسميها راسبة، لأن القهوة المطحونة فيها والتي سلقت بالماء الساخن دون النضج التام تبقى في قعر الكأس وترسب فيها، فاقتراحي أن نختار لها لفظة راسبة، والقرار لأصحاب المقاهي أيضًا.
لا أظنكم تريدون الإبقاء على (البوتس) وترجمتها الحرفية= الوحل؟!
קָפֶה הָפוּךְ= قهوة مع حليب
في العبرية هما كلمتان، وأحيانًا يكتفون بواحدة הָפוּך، وهي بالإنجليزية coffee with milk ولدى البعض white milk.
في رأيي أن نبقي التعبير قهوة مع حليب، ومن أحب طريقة النحت فأقترح أن يعتمد قََـهِـيب، وهي مجموعة من قهوة + حليب، وهي أخف من لفظ (هفوخ) العبرية التي هي ترجمة لمعنى (مقلوب).
من ينكر ذلك فله الحق، أولاً لأنها جديدة، وما أعسر الجديد على أذواقنا!
وثانيًا لأنها غريبة، وثالثًا لأن أصحاب المقاهي لم يستخدموها، ولم يروّجوها.
على كل هو حل أراه للتخلص أولاً من اللفظة العبرية التي ستظل طاغية، وثانيًا للتخلص من ثلاث كلمات عربية معًا، وكأنها جملة، والناس في مخاطباتهم يبحثون عن السرعة في الأداء، حتى تتم سرعة في الفهم والتلقي. ومن يستصعب أو يستغرب (قََـهِـيب) فعليه أن يطلب:
قهوة مع حليب!
وصحتين!
קָפֶה טוּרְקִי= قهوة عربية
هي المطحونة جيدًا، وعادة تكون بإضافة “سكر قليل وبدون حليب. وقد شاعت في العالم هذه النسبة (تركي) رغم أن قهوتنا العربية هي القهوة، وما نشربه في تركيا أو فيما يسمونه (تركية) لا لذة فيها ولا طعم، والقهوة السادة – للسادة-، وهي إذا أحسن إعدادها لا تعلو عليها قهوة.
إذا لم تشأ أن تقول قهوة عربية فلا بأس من قولك المصطلح العالمي: قهوة تركية، فليكن!
المهم ألا تقول (كافيه توركي!)
عجبي! يقولون: (كافيه)، واللفظة الأصل هي عربية قح!
عجبي! يقولون (بيت كافيه)، ولا يقولون مقهى، ولا يقولون حتى بالدارجة: قهوة.
קָפֶה נָמֵס = نِسْـكافــيــه
קָפֶה נָמֵס هي أيضًا נִסְקָפֶה = Nescafe.
النسكافيه هو ذو لون فاتح نسبيًا، وذلك لأن قليه كان لفترة أقصر، وهوسريع التجهيز.
والتسمية الأولى بالعبرية נָמֵס (ناميس) والتي قد يكتفون بها عند طلبها، تدل على أن هذه القهوة سريعة الذوبان.
سبب تسميتها nescafe أن هذا اسم صنف تجاري (ماركة= מותג) لشركة (نستاله) العالمية، وفي رأيي عدم ترجمة الاسم الشائع عالميًا، تمامًا كما أبقينا (إسبرسو)، فنقول: شربت نسكافيه، واشتريت علبة نسكافيه، وبالمناسبة فقد قرأتها في روايات عربية فصيحة، ولم يرهق أي مؤلف نفسه في ترجمة مفتعلة.
على ذكر الإسبرسو (منهم من يلفظ إكسبرسو)، فإن طلبتها فلا تستعمل النعت קָצָר بل قل: قصيرة (أو قصير- حسب قصدك) ، ولا تقل: אָרוֹך بل قل: طويلة (أو طويل)، ولا تقل: כָּפוּל بل قل: مضاعَفة!
أما المشروبات الباردة فلنبق أسماءها العالمية، وليس لنا أن نتدخل في (كوكا كولا) و (شويبس) , (سبرايت)، و (سبرينغ) ونحوها، ولو تدخلنا وحاولنا لظلت كلماتنا بلا أذن صاغية، وغير منطقية، ولظل صوتنا بلا أي صدى.
ولكنا بالمقابل يجب ألا نقبل מִיץ، في تضاعيف لغتنا العربية، ويجب ألا ننسى أن اللفظة العربية هي عصير، فيجدر بنا أن نقول: عصير عنب لا (ميتس عنبيم)، ونقول: عصير برتقال لا (ميتس تبوزيم)، ونقول عصير جريفوت لا (ميتس إشكوليوت)…إلخ
سيعارضني بعضكم على كلمة (جريفوت)، وردي أن اللفظة واردة في دارجتنا، ونحن نبحث عن كل وسيلة لاستخدام المألوف لدينا، فهل أذهب إلى ترجمة هذه الفاكهة كما ترجمها المورد: ليمون الجنة؟ أو الليمون الهندي؟؟
أرى ألا نتحرج من استخدام الكريب فروت، ولعل الأسهل والأجمل: الجريفوت- بلفظ الجيم المصرية، ومن لا يعجبه فليشرب بعض عصيره.
أتوقع من أحدكم أن يدعوني إلى فنجان قهوة، ولن ألبي الدعوة إلا إذا تحدث الداعي خلوًا من اللفظ العبري، ولا يهمني: سادة، قهوة عربية (تركية)، قهوة مع حليب، نسكافيه، قهوة راسبة، قهوة سمرا.
من يدعوني حقًا؟!
أنتظر، وأنتظر الألفاظ العربية في أجواء المقهى، وعلى ألسنة الزبائن والنُّـدُل!
جهدٌ محمود، ناجع المردود!
والشكر للدكتور محمود!
تحية عطرة مقدمة لأستاذنا الكريم ب. فاروق . اولا الحمد لله على رجوعك من السفر سالما لتعود وتتحفنا بأحلى الكلام وانجعه . وثانيا أدعوك لشرب القهوة اي نوع كانت فانا من عشاق القهوة الراسبة … وهذا اقل ما اقدمه لك مقابل جهودك المتواصلة لصيانة لغتنا الحبيبة . ارجو تلبية الدعوة مع تمنياتي لك بدوام الصحة والعافية.
بوركت، وسأحضر بإذن الله مع الصديق د. محمود أبو فنة راجيًا أن يجد الوقت لرفقتي إليك!
شكرًا ومحبة!
طبعًا، يسرّني زيارة الناس الكرام مع الأصدقاء الأوفياء – لكما تحيّاتي!