أزمة الحركة الماركسية العربية والمستقبل..!!
تاريخ النشر: 04/09/12 | 6:38لا جدال في أن الانتكاسات والتراجعات في حركات التحرر الوطني والانهيار الكبير والشامل للمنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي وأفوله ، بفعل نتاج تراث الاستبداد والطغيان الستاليني وبسبب التعفن والانحطاط والظلم وهيمنة الحزب الواحد وتقديس الشخصية وغياب الديمقراطية وتفشي البيروقراطية وغطرسة القيادة وتمسكها بالمناصب، اضافة الى الدور التخريبي والتدميري للفئات المتنفذة والانتهازية ، والنتائج المدمرة للسياسات الاصلاحية .
هذا الانهيار والانتكاس والتراجع قاد وأدى الى انقراض القوى العلمانية والجماعات والأحزاب الماركسية في العالم والأقطار العربية ، وشكل أرضية لنمو وصعود الفكر السلفي والأصوليات الدينية وتيارات الاسلام السياسي ، ولكن هناك حقيقة راسخة وثابتة وهي أن سقوط الأنظمة الاشتراكية الستالينية لا يشطب ولا يمكن أن يشطب هدف التحرر من الاستعمار الأجنبي والامبريالية العالمية ، والخلاص من الرأسمالية وما تحمله من مظالم وشرور النهب والسلب والاستغلال والظلم الاجتماعي والطبقي والشروع في تنمية قومية تحت سيطرة الطبقة العاملة الكادحة وحلفائها وتحت ادارتها وعلمها الخفاق، ثم فأن انهيار النظم الاشتراكية لا يعني بأي حال من الأحوال انهيار قيم الاشتراكية العادلة وزوال الاتجاه الماركسي ، فالماركسية هي فكر للتقدم الاجتماعي ومنهج جدلي مادي تاريخي وفلسفة لتفسير وتغيير العالم لصالح الانسان وخير الانسان وسعادة ورخاء الانسان عدا كونها نظرية في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي.
وفي حقيقة الأمر أن الماركسية العربية ولدت ونشأت على أيدي عدد من المثقفين المنوّرين والمتنورين العرب المؤمنين بالفكر الاشتراكي العلمي في كل من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق ، حيث أسهموا الى جانب عمال وكادحين واعين وطليعيين في تأسيس وانشاء الحلقات الماركسية والأحزاب الشيوعية والحركات الثورية التقدمية . وكان نشوء الماركسية كقوة سياسية وتيار فكري أيديولوجي عربي من حيث مكوناته وقضاياه وسماته . وقدم الماركسيون العرب نتاجاً فكرياً ، وانحازوا الى الحداثة والعلمانية والعقلانية وساهموا في تعميق مفهوم الديمقراطية الاجتماعي ، ودعوا الى اعلاء شأن العلم وتذويت الوعي العلمي وقيم الحرية والعدالة، وطالبوا بعلمنة الفكر وعقلنة التراث وفصل الدين عن الدولة وعدم تسييسه ، لأن تسييسه هو رّدة رجعية وافة اجتماعية تمزق الموقف الوطني والنسيج الاجتماعي .
ومن الواضح أن الأحزاب الماركسية أخفقت في تقديم اسهامات في حقل اعادة انتاج الماركسية بصورة مستقلة ولهذا القصور أسبابه وعوامله واعتباراته الذاتية والموضوعية ، منها: التخلف السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في المجتمعات العربية ، وضعف وهشاشة الديمقراطية في الحياة الحزبية الداخلية ، وغياب النقد والنقد الذاتي ، وحالة التشظي والأنقسامات والصراعات الداخلية الطاحنة ، التي عانت منها الحركة الماركسية العربية . كذلك القمع الوحشي والتهميش والتكفير الذي طال القوى والأوساط العلمانية والأحزاب الشيوعية والماركسية العربية، ناهيك عن التحريض والنبذ الاجتماعي والديني الذي استهدف الماركسيين العرب، كون الماركسية ليست نتاج المنظومة الفكرية العربية الاسلامية، اضافة الى الجمود الفكري والارتهان الى مواقف السوفييت، وممارسة الحركات الماركسية للتكفير السياسي والأقصاء في أحيان عديدة.
أن الشعوب والمجتمعات العربية ، من الماء الى الماء، تعيش فترة من احلك فترات حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، فنرى التمزق والتفكك والتشتت العربي والأذدناب لأمريكا راس الأفعى ، والعودة للأفكار السلفية والانتماءات القبلية علاوة على ازدياد الفقر والجوع والبطالة والتخلف والأمية وضرب الحريات وحقوق الانسان ، وغياب الوعي العقلاني النقدي بالتاريخ الثقافي. وعليه فأن هذه المجتمعات والشعوب العربية تحتاج الى نهضة جديدة وثورة في الفكر والعقل العربي سعياً لبناء وتاسيس مجتمعات مدنية ديمقراطية وعلمانية متماسكة ومتلاحمة ترفض التمزق والتفكك والتشرذم، وهذا الأمر يتطلب وقفة نقدية ومراجعة غير انفعالية وبعيدة عن التشنج والتعصب، لتجربة الحركة الماركسية والثورية العربية ولملمة أشلاء ما تبقى من أطر يسارية وقوى علمانية وديمقراطية ومثقفين ماركسيين بهدف التجديد والانطلاق لأعادة الاعتبار للماركسية والعمل على تأصيل النظرية وصياغة الأفكار والبرامج والخطط المستقبلية ، وأيضاً الاستفادة من اخطاء واخفاقات النموذج الاشتراكي الستاليني العالمي وتجديد قوى التغيير ومهام التقدم الاجتماعي الحضاري في التنمية والوحدة والديمقراطية والتنوير والعقلانية .زد على ذلك وجوب اقتران الماركسية بمشروع مستقبلي للنهضة وترسيخ التعددية السياسية والفكرية ، وتعزيز وحدة كل القوى الاجتماعية الحاملة للمشروع النهضوي التنموي الحضاري على اساس الوحدة الاجتماعية ووحدة المعاناة والمصير والتاريخ والثقافة، وطرح البديل الفكري للطرح العقيدي والطروحات السلفية المنغلقة ، الى جانب تحويل علوم الدين والتراث الى علم الانسان وصولاً الى تحقيق حلم التغيير المنشود والمرتجى وانجاز التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، وتجديد المجتمع وتخليصه من الغيبيات والقيود الاجتماعية والجمود والتعصب والانغلاق الفكري ، والاسهام ايجابياً في بناء حضارة العصر ، فلا مستقبل لشعوبنا ومجتمعاتنا بدون قوى اليسار والتغيير الثوري وبدون الماركسية والافكار العلمانية والتحررية ، واحترام الرأي الاخر وحرية الاختلاف والمذهبية الفكرية والتعددية السياسية.
تحياتي للاخ فريد على طرح مثل هذا الموضوع الهام من على منبر بقجة.
وليسمح لي ببعض التعليقات الاولية على ما جاء به في مقالته:
1. ليس هنالك فكر ماركسي عربي وآخر غير عربي. هنالك فكر ماركسي اممي وعالمي، وغياب أو تراجع الحركات الماركسية ملاحظ عالميا منذ عقدين عدا بعض الحالات.
2. أزمة السوق الحرة منذ بداية الالفية والتي لا زالت تعصف بالاقتصاد الوروبي والامريكي، دلت على ان نظام السوق لا يمكن ان يوازن نفسه تلقائيا وبالتالي من الضروري تدخل الحكومات حيث يعجز السوق. هذا التدخل الحكومي هو عمليا اعتراف بفشل الايدولوجية الرأسمالية – الليبيرالية والتي نادت بقدسية السوق الحرة ووجوب منع الحكومات من التدخل بها.
3. استنادا الى البند 2 اعلاه، اعادت بعض المجموعات الشبابية الاوروبية مؤلفات ماركس وانجلز من الرف الى الطاولة لدراستها من جديد, على امل التوصل الى فكر ماركسي جديد.
4. لذا فمن يرغب في تجديد الفكر الماركسي في المجتمعات العربية عليه مواكبة التطورات الحاصلة في اوروبا والافضل الانضمام الى هذا المجهود في هذه الفترة المبكرة لكي يساهم بشكل فعال في انشاء هذا الفكر المتجدد-الجديد.
5. البنية الاساسية للمجتمعات العربية لا زالت قبلية. لذا فقبل انشاء مجتمع عربي مدني- علماني، يجب العمل على انشاء مجتمع مدني أي غير قبلي.
6. الثورات الشعبية العديدة في الوقت الحاضر في العالم العربي دلالة على افلاس الانظمة القائمة. ولعلها تنتج انظمة جديدة والاهم مجتمعات جديدة لا تكون بنيتها الاساسية قبلية, لعلها!