البحث عن القمر الضائع
تاريخ النشر: 04/01/15 | 16:56تجمع ألآباء وألأمهات وألأطفال،في ساحة المسجد، كلهم كانوا ينظرون الى السماء، يترقبون ظهور هلال رمضان..كي يصوموا ألأول من شهر الصيام، غنوا له ألأغاني التي يحبها، وحضروا طعام السحور، وتبادلوا التهاني، وقرأوا ألأدعية وألأبتهالات.. الكبار انتظروا قدومه حتى صلاة الفجر، ولكنه لم يظهر، فحزنوا حزنا شديدا.
الطفلان ملك وسامي قررا ان يبحثا عن هلال القمر، ويضعونه مكانه في وسط السماء..ليتمكن أهل بلدهم من الصيام، وتعود الفرحة الى نفوسهم، وتعم أجواء فرحة رمضان، بيوت وشوارع واسواق البلد، وتعود بهجة الأفطار، وحلاوة السحور الى موائد الصائمين.
توجه ملك وسامي في البداية الى الغيمة قائلان:” أيتها الغيمة.. أيتها الغيمة السخية، يا من تحملين قطرات الماء،وتعطيها خيرا وبركة للناس والحيوانات والنباتات، ايتها الغيمة السوداء.. هل تخفين ورائك هلال رمضان.. اننا في حاجة اليه، كي نبدأ بصوم شهر رمضان،أن أهل بلدنا ينتظرون قدومه بفارغ الصبر.”
فردت الغيمة وهي تنثر حبات من قطرات الماء:” أيها الطفلان النشيطان.. انني منذ يومين لم أر وجه القمر،أني مشتاقة اليه، كي ينيرالظلام من حولي،ويسليني في وحدتي، ويختبئ ورائي أذا ما تعرض للخطر.
فقالت ملك: ” ايتها الغيمة الكريمة، ايتها الغيمة الحنونة، نرجوك دلينا على من يساعدنا على العثور على الهلال، فأهل البلد بانتظار خبر منا.! “.
فقالت الغيمة: ” أذهبا الى النجوم، فهي منتشرة في كل الأماكن في السماء، لعلها تساعدكم في العثور عليه.
ترك سامي وملك الغيمة،وتوجها بأعينهما الى مناطق أخرى من السماء، بحثا.. وبحثا عن النجوم، فلم يجدا لها أثر،فصارا يناديان بصوت عال ” ايتها النجوم اللامعات، يا من تضئن الأرض ¸وتزين السماء. وترشدن التائه الى طريقه، هل تعرفين مكان الهلال، اننا نبحث عنه من أجل ان نبدأ بالصيام، ان أهلنا سيوجهون الشكر لكم، أذا ما قمتم بأرشادنا، الى مكان وجوده.
فردت النجمات المضيئات:” انكما لن تسطيعا رؤيتنا، فنحن نختبئ خلف الغيوم ونحتمي بها، لأ ن البرد قارص، والرياح عاصفة،،الرؤيا صعبة، ولذلك لم نستطع رؤيته.ربما أختفى خلف الشجرةالعالية، أذهبا وتوجهن لها بالسؤال عنه.
عندما وصلا الغابة، شاهدا الشجرة عالية.. عالية.. حتى تصل أغصانها قبة السماء السوداء، وتحجب ما خلفها من جبال. فتوجها اليها بالكلام: ” ايتها الشجرة العالية، يا صاحبة الأغصان الخضراء، يامن تعطي زائريها الثمار والظلال.. هل يختفي خلف أغصانك الهلال..؟ فنحن في حاجة أليه، كي نعرف موعد الصيام والأعياد. فردت عليهما الشجرة العالية قائلة: ” لقد مر بي القمر منذ أيام، وأضاء الي أشارته بالسلام، واستمر بالسير في مساره، ولما عرضت عليه ان يأخذ قسطا من الراحة على أغصاني، أعتذر.. وقال: “اني على عجلة من أمري، أني مسرع كي أبشر الصائمين بقدوم شعر رمضان.وبدأ يصغر..ويصغر.. حتى اختفى عن الأنظار. اسألوا عنه نبع الماء جاري،فهو في كثير ما يستحم في مائها الصافي المتجدد، خصوصا في الليالي الصافية، وأحيانا يسهران معا حتى آخر الليل، ربما غرق في مائها.
فتوجها الى النبع، وعندما اقتربا منه، سمعوا خرير مائه،يسامر الصخور التي تعترض طريقه،ويشق طريقه كي يصل الى البحيرة القريبة.
همسا في أذنه،كي لا بزعجان سمره مع جاراته الأشجار: ” أيها النبع..! أيها النبع الكريم..! يا من تسقي كل عطشان يزورك، من الناس والحيوان والطير، وتروي النباتات من حولك، وتسبح في مائك، الطيور والنجوم والقمر وقرص الشمس.. هل تساعدنا على العثور على القمر..!؟ اننا نحتاجه لأمر ضروري، فلا يمكننا البدء بالصيام.. ألا أذا ظهر لعيوننا بصورة جلية.!
فرد النبع عليهما قائلا: ” أيهاالطفلان الرائعان.. لقد سهر الهلال معي قبل عدة ليالي، وكانت الليلة – رغم برودتها – صافية،سبح ولعب مع النجوم في مائي،شفقت عليه من شدة هزاله،ولولا معرفتي الطويلة به، حيث انه يكبر ويكبر، حتى يصبح بدرا، ثم يبدأ بالصغر شيئا فشيئا، حتى يصبح هلالا، ويستمر بالصغر حتى يكاد يتلاشى، لخفت عليه أن يداهمه الموت. فسألاه واليأس يكاد يستولي عليهما: ” ولكن ماالعمل أيها النبع الكريم..!؟
فأجاب النبع بعد ان فكر للحظة: ” ان الحيوانات تزورني لتشرب من مائي، انتظرا قدومهم في الصباح، واسألاهم عن الهلال، لعلهم يحملون خبر عن مكان وجوده “.
مع طلوع الشمس أتت الحيوانات الى النبع، كي تاخذ نصيبها من مائه، جاءالفيل بخرطومه الطويل.. وجاء النمر والثعلب وحمار الوحش والغزال، وغيرها من الحيوانات، حضر الصقر والنسر والبلبل والحسون، وغيرها من الطيور. فتقدم منهم ملك وسامي، وبادراهم بالكلام: ” ايتها الحيوانات والطيور..يا جيراننا الأحباء، وأصدقائنا الأوفياء.. هل معكم أخبار عن الهلال..!؟ لقد انقطعت أخباره منذ يوم أو يومين.. ونحن في امس الحاجة أليه، كي نبدأ
بصوم رمضان المبارك “.
فأجابت الحيوانات:” للأسف ليس لدينا أخبار عنه، ولكن ربما وصلت أخبار عنه،الى صاحب الجلالة ملكنا الأسد المعظم، فجميع الحيوانات تزوده بكل الأخبار، التي تحدث في البلاد، فرافقانا الى عرينه، لعله يساعدكما في العثور عليه “.
ولما وصلوا الى بلاط ملكه، كان يجلس على كرسي الملك وحوله، الوزراء والمستشارون،والخدم والحراس. فدخل الثعلب الى العرين، بكل أدب وخشوع، ولما أذن له الوزير الفيل بالكلام قال:” يا صاحب الجلالة وملك الملوك.. في الباب ضيفان من بني آدم، يريدان المثول بين يديك، فهل تسمح لهما بالدخول..!؟. ” ما شأنهما وماذا يريدان مني..!؟” سأل الأسد مستغربا.. ” يريدان ان يسألاك عن القمر.. !” رد الثعلب خائفا من غضب الأسد..
فصاح الأسد: ” أدخلهما حالا..!”. ولما اقتربا من الملك،وأذن لهما الملك بالكلام قالا:” يا صاحب الحلالة المعظم، يا ملبي الحاجات، ومجيب الطلبات،
ويا محب الجيران والجارات.. فكما تعرف فأننا ننتظر هلال رمضان، كي نبدأ بصيام الشهر، انتظرناه كعادتنا في كل عام، ولكنه في هذه السنة لم يظهر في موعده، ولم نستطع ان نبدأ بالصيام..! فهل تساعدنا – يا صاحب الجلالة – بالعثورعليه..!؟ “.
فصرخ الأسد قائلا: ” أيها الفيل الوزير.. عمم هذا البيان،على جميع الحيوانات والطيور، الحاضر منهم يعلم الغائب،ان كل من معه خبر أو له علم،بمكان وجود الهلال فليأتيني حالا ودون تأخير.!.. وأذا تبين لي،أن أحدكم تسبب،في ضياع أو تأخير الهلال.. فيا ويله من عقابي وقصاصي..!! “.
وبينما هم يجلسون في حالة ترقب وانتظار، والدقائق تمر كأنها ساعات، والساعات كأنها أيام، وأذا بالذئب يتوجه الى الملك سائلا: ” أين الحمار – يا صاحب الجلالة – انه غائب عن المكان، ربما لديه الخبر اليقين..!! “. فاقترب الثعلب من الملك،وقال برعب شديد:” انه مريض – يا مليكي -، انه في فراش المرض، ومرضه منعه من القدوم الى عرينك..!! “. فصاح الأسد به صيحة هزت المكان: ” لا شيئ يعطي العذر لأحد، كي يتغيب عن حضور الأجتماعات، التي أدعوا اليها.! “.. أيها الحاجب.. أحضره حالا..!!
وما هي ألا لحظات قليلة، حتى ظهر الحارس على الباب، يقود الحمار أمامه، اما الحمار فكان يضع يديه على بطنه، متوجعا من الألم، ولما اقترب من الملك، صرخ به: ” لماذا تغيبت عن الأجتما ع.. أيها الحمار اللعين..!!؟ فرد بانكسار: ” اني مريض يا سيدي..!؟ ” فصاح به الملك: ” وما هو مرضك..!؟ “. ” لا شيئ..أنه مرض خفيف – يا مليكي – سيشفى حالا.. ! “.. قاطعه الثعلب بخوف شديد. فصاح به الأسد: ” اسكت أنت.. ولا تتكلم بدون أن أطلب منك..!!”. فرد الذئب بخجل وانكسار: ” لقد بلعت الهلال، وهو الآن في بطني،و يسبب لي الألم الشديد، ولا أستطيع التخلص منه..!!”.وانفجر الأسد ضاحكا وقال وهو يقهقه:” وكيف – بحق السماء – ابتلعته..!؟ “.
فقال الحمار: ” أتذكر – يا صاحب الجلالة – البطيخة التي أحضرتها لك أمس.. لقد أكلتها كلها، ولم تبق لي الا شقحة واحدة.. فشاغلني الثعلب اللعين، وأبدل شقحة البطيخ بالقمر، الذي أحضره من النبع، فأبتلعته دون ان أشعر.. !!؟ “.فقال الأسد وهو يكمت ضحكاته: “أبتلعت الهلال دون ان تشعر انه ليس بطيخا يا غبي.. !!؟ “. فرد الحمار والخجل يسيطر عليه: ” كما تعلم – سيدي – فأن الحمير صغيرة العقل، وقليلة الذوق..!!”. فصاح الأسد: ” أيها الذئب،قم وشق بطن الحمار، وأخرج القمر من داخله، اما أنت أيها العنكبوت، فقم بخياطته بخيوطك من جديد..!! اما انتما أيها الصقر والنسر، فقوما بحمل هذان الطفلان، وهما يحملان الهلال ليضعاه في مكانه في السماء، ليتمكن الصائمون،من البدء بالصيام “.
ولما ارتفع سامي وملك، على ظهري النسر والصقر، الى أعالي السماء، ووضعا الهلال في مكانه.. وظهر القمر لعيون أعل البلد، رجعوا الى الساحة، وأمضوا ليلتهم، بالتكبير والتهليل، وانشاد اناشيد رمضان.
ولما حان وقت السحور، وخرج المسحراتي يدق طبوله، لكي يصحوا الصائمون من نومهم، ويتناولوا طعام سحورهم.. أقتربت الام من فراش ابنتها
ملك ونادتها: ” ملك..! ملك..! قومي يا بنيتي، لتتناولين السحور معنا..!”.
” لقد كان حلما رائعا.. يا أمي.. !!” قالت ملك وهي ترفع رأسها عن الوسادة..
بقلم: يوسف جمال