أم ثكلى : خسرت ولدين لكنني منحت الحياة لكثيرين بتبرعي بأعضائهما
تاريخ النشر: 11/09/12 | 1:18حزني على وفاة اثنين من أبنائي ممزوج بقليل من الفرح، لأنني استطعت إنقاذ حياة عدة أشخاص من خلال التبرع بأعضائها”. بهذه الكلمات المؤثرة استهلت يسرى عاشور (51 عاما)، من مدينة يافا، حديثها معنا، ردا على سؤال حول شعورها بعد أن فقدت نجليها نور الدين وحاتم، في عامي 2006 و2007 على التوالي في حادثي سير منفصلين وبعد ان قامت العائلة بالتبرع بكليتي نور الدين وقلبه وكبده، بينما تبرعت بقرنيتي عيني ابنها الثاني حاتم.وتؤكد الأم الثاكل أنها ما زالت تذرف دموع الحزن على فراق اثنين من فلذات كبدها، ولعل ما يواسيها ويعزيها ويخفف من آلامها، ولو قليلا، أن أعضاء ابنيها ساهمت في منح الحياة للآخرين، معتبرة أن ذلك يحسب حسنة عظيمة وصدقة جارية لهما.وتابعت يسرى تقول:”لم يصدّق الأطباء توجهي وطلبي التبرع بأعضاء نجلي نور الدين، بعد وفاته، حيث كانوا يخشون أن نرفض توجههم ومبادرتهم الينا للتبرع بالأعضاء لكنني استبقت توجههم هذا. وتقول “لقد تبرعنا بكليتين وقلب وكبد. لم يهمني لمن تذهب الأعضاء، لكن ما يهمني أن من تبرعنا له يحمل قطعة مني وطلبت منهم أن يحافظوا عليها. لا يعنيني اذا كان يهوديا، مسيحيا، مسلما أو حتى هنديا، فلا بد انه عانى كثيرا وذاق الأمرين، وتبرعنا منحه حياة كريمة وأفضل”.ونوهت أن العائلة تستمد قوتها للتبرع بالأعضاء، مما حصل لها من أحزان. “أتراحنا أكثر من أفراحنا”، تؤكد يسرى، متطرقة الى وفاة زوجها وأشقائه الخمسة، وعدد آخر من الأقارب والأصدقاء. كما أن ابن شقيقتها حصل على كبد من متبرع في عملية زرع للكبد.وأضافت:”أهمية التبرع عبارة عن فعل خير يسعد الآخرين. والمسألة مسألة مبدأ. من قتل أنسانا كأنه قتل الآخرين ومن أحيا انسانا كأنه أحيا العالم كله”.واستذكرت يسرى، تفاصيل الحادث الذي لقي فيه نجلها نور الدين (22 عاما) مصرعه، وكان ذلك في شهر آذار 2006، حيث اصطدمت الدراجة النارية التي كان يقودها نجلها بحافلة لنقل الأطفال والطلاب، في شارع “شوفطي يسرائيل” في يافا.ونقل نور الدين الى مستشفى “ايخيلوف”، في حالة حرجة، جراء اصابته بصورة بالغة في الرأس والوجه، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة، ليس قبل أن تودعه والدته!!وأكدت الأم الثاكل، أنها تؤمن بقضاء الله تعالى وتقديره، وبادرت الى التبرع كما أن نجلها البكر أحمد وكريمتها باكزة، وافقاها الفكرة، علما أن زوجها متوفى منذ العام 1991. وأشارت الى أنها كانت قد عارضت أن يقتني نور الدين الدراجة النارية، وأنها كانت تفضّل أن يقتني سيارة، تساعده على التنقل مع زوجته وطفله. وقد وقع الحادث بعد اقتنائه الدراجة النارية بثلاثة أيام فقط. ولم تلبث العائلة أن تلملم جراحها وتجفف دموع الحزن على وفاة نور الدين، حتى حلت بها كارثة أخرى، زادتها ألما وحسرة، حيث لقي حاتم (20 عاما) مصرعه، في حادث سير هو الآخر، حين اصطدم بسيارته التي كان يستقلها، بعامود كهربائي، في 13/12/2007.وقالت الأم الثاكل عن ذلك: “كان حاتم متأثرا جدا بعد وفاة شقيقه، حتى أنه كان منعزلا، لأنه تربى مع المرحوم، وعاشا في غرفة واحدة، وكانت تربطتهما علاقة صداقة وطيدة وحميمة جدا، حتى أنه لامني بعض الشيء لأنني تبرعت بأعضاء من جسد شقيقه بعد وفاته، وسألني لماذا قبلت التفريط بأعضاء من جسد شقيقه. حاولت ان ارفع من معنوياته واقتنيت له سيارة، هدية مني، بعد حصوله على الرخصة. شجعني على السياقة، بعد انقطاع دام 25 عاما، بفضل إلحاحه المتواصل وتشجيعه المعنوي لي. استقل سيارته من نوع ميتسوبيشي لانسر، وذهب للسهر مع أصدقائه في شارع النزهة، وقبل وصوله بقليل اصطدمت سيارته بعامود. خرج من السيارة واقفا على قدميه وسأله المارة عن حاله فأجابهم أنه بخير، لكنه كان يشعر بالتعب فنقلوه الى المستشفى وهناك تبين أن قلبه توقف عن النبض. لم نتردد مرة أخرى بالتبرع، رغم أن ضربتين في الرأس، تؤلماننا كثيرا. لقد تبرعنا بقرنيتي العينين. وأشارت يسرى الى قلة الوعي لدى المجتمع العربي لموضوع التبرع بالأعضاء، لما يحمله ذلك من رسالة إنسانية هامة. وخلصت تقول: “يجب أن نكون واعين أكثر الى قضية التبرع بالأعضاء، لأن ذلك يساهم في إنقاذ حياة أشخاص أبرياء ويرسم البسمة على وجوههم. وتسترسل قائلة “يجب ان يتضاعف الوعي لدينا، على أن يبدأ من المدارس. لماذا لا نتحرك لتقديم المساعدة ما دمنا نقدر على صنع ذلك؟! فهناك الكثيرون ممن هم على قائمة الانتظار وفي حاجة ماسة الى الأعضاء. وقد تخف أعمال الخطف والقتل، كما يحصل في مصر، فهذا شأن إنساني من الدرجة الأولى. نحن مقتنعون تماما بما فعلناه، وعلى الباقين أن يتحلوا بجرأة ووعي كافيين لإنقاذ حياة الآخرين”.