واشنطن وتعطيل القانون الدولي
تاريخ النشر: 09/01/15 | 9:04شكلت الأسابيع الأخيرة من العام 2014 كارثة للقيادة الأميركية ولقيم سيادة القانون. فخلال الأسبوعين الأخيرين من كانون الثاني الماضي، عطلت الولايات المتحدة جهوداً مختلفة تهدف إلى تأكيد الحقوق الفلسطينية. وكان هذا مؤسفاً، حيث أنها من خلال ذلك قوضت التزاماتها المعلنة بدعم سيادة القانون في العلاقات الدولية، وتأييد قرار يهدف لدعم السلام والابتعاد عن العنف في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ففي 17 كانون الثاني، التقى ممثلو الـ 126 دولة التي أقرت «اتفاقية جنيف الرابعة» بشأن حماية المدنيين أثناء الحرب، بناء على دعوة من الحكومة السويسرية، ومرروا في الاجتماع إعلاناً من عشر نقاط يعيد تأكيد إمكانية تطبيق الاتفاقية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967. وبعد العمل لشهور وراء الكواليس لإجبار الحكومة السويسرية على إلغاء الجلسة، كانت الولايات المتحدة واحدة من بين عدد قليل من الدول التي رفضت حضور الاجتماع.
وقد صيغت «اتفاقية جنيف الرابعة» وتم التصديق عليها من قبل المجتمع الدولي في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت تهدف إلى ضمان أن الانتهاكات التي حدثت أثناء الحرب لن تتكرر في المستقبل. وتحظر الاتفاقية ضم الأراضي المحتلة وقيام دولة الاحتلال بترحيل سكان هذه الأراضي. كما تحظر تغيير وضع الموظفين العموميين للشعب المحتل، وتدمير الممتلكات العامة، وأشكال العقوبات الجماعية كافة والاعتقال الإداري فضلاً عن العنف والإهانات وتخويف السكان الواقعين تحت الاحتلال، واستخدام الإكراه والتعذيب البدني.
وفي 17 كانون الثاني أيضاً، قدم الأردن إلى مجلس الأمن الدولي قراراً أقرته الجامعة العربية يعيد تأكيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويدعو إلى تجديد المفاوضات الهادفة إلى إبرام حل بين الدولتين وإنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي و «تأكيد الحاجة للتوصل، في موعد لا يتجاوز 12 شهراً، إلى حل سلمي شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في العام 1967، ويحقق رؤية دولتين مستقلتين تتمتعان بالديموقراطية والازدهار».
وكما كان متوقعا، اعترضت الولايات المتحدة على القرار، واصفة إياه بـ «غير المتوازن» و «غير البناء»، حيث نص على «مواعيد نهائية لا تأخذ في الحسبان المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل». وقد ضغطت الولايات المتحدة على العرب من أجل عدم تقديم القرار، كما على دول أخرى لمعارضته أو الامتناع عن التصويت عليه. وفي 30 كانون الثاني، صوتت الولايات المتحدة ضد القرار.
منذ توقيع اتفاقات «أوسلو» قبل 21 عاماً، ادعت الولايات المتحدة أنها قادرة على القيام بدور «الوسيط النزيه» في عملية السلام. لكن الإدارات المتعاقبة غضت الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. والنتيجة اننا لا نرى أي سلام، في حين تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة ثلاث مرات، وأصبحت القيادة الفلسطينية أمام وضع صعب، ما دفعها إلى تقديم مشروع القرار هذا إلى الأمم المتحدة. لكن الولايات المتحدة، برفضها مشروع القرار، زادت من تعنت الإسرائيليين، وبعثت برسالة خاطئة في وقت خاطئ للفلسطينيين.
إن سلوك الولايات المتحدة خلال العقود الماضية، أوضح عدم قدرتها على إدارة ملف «عملية السلام»، ولا على التمسك بإطار القانون الدولي الذي تدعي تعلقها به.
جيمس زغبي – السفير