في الزاوية، السلام والمصالحة!
تاريخ النشر: 10/01/15 | 10:34ربما أصبح على يقين رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” أكثر من أي وقتٍ مضى، بأن إيمانه بصنع السلام مع إسرائيل بعد أكثر من عقدين من الزمن، ومئات الجولات المكوكية التفاوضية المغلقة والمفتوحة، لم يعُد ممكناً ولا قابلاً للتنفيذ، بعد إسرافه بالثقة الزائدة عن الحد، بأن إسرائيل جادّة في صنع السلام، كونه الوسيلة الناجحة للخروج من أزماتها، وطمعاً في التطبيع مع العرب، وربما استند لتطمينات أمريكية وغربيّة، أو باعتماده قدرته على خداع إسرائيل في إطار (سلام الشجعان) ومن خلال تقديم حفنة من التعهّدات، التي تسعى إسرائيل إلى أن تراها حقيقة واقعة، بل وربما تيقّن الآن أكثر، بأن لا شريك له في إسرائيل (ككل)– يمينيّة أو يساريّة – كما يعلم الجميع بأن هذه الشراكة ليست سهلة، منذ أن تكشفت النوايا الأولى من أنها لا تريد سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين، بل ولا تستطيع تنفيذه بشروطه المطلقة، بسبب تصادمه مع كل أفكارها ومعتقداتها، وسواء من حيث الطموحات الصهيونية نفسها في التمدد والاستمرار، أو من حيث الخشية على الأمن والمصير الإسرائيليين، واللذين مثّلا الهاجس الأكبر لديها، وعبّر عنهما كل قادتها، وبخاصة أولئك الذين يؤمنون بإمكانية تحقيق السلام وبِحل الدولتين، ولكن كان العزاء لدى “أبومازن” هو أن هناك خطوة تالية يمكن تنفيذها، وهي الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، لإرغام إسرائيل على انهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ولمحاسبتها عن الجرائم التي اقترفتها ضد الفلسطينيين، وذلك بعدما أعلن صراحةً عن يأسه في تكملة مساعي السلام معها، وهي الخطوة التي قام بتنفيذها مباشرةً في أعقاب فشل مشروعه أمام مجلس الأمن، باعتباره لدى إسرائيل يتعارض مع قرار الأمم المتحدة (242) الذي يتحدث عن انسحاب إسرائيلي مستقبلي من عدة مناطق فلسطينية وليس من كل مناطق 1967.
لقد حرص “أبومازن” على عملية السلام، حتى في ظل مداومة القراءة على مسامعه، من قِبل الكثيرين وقيادات لفصائل وحركات فلسطينية وخاصةً حركة حماس، ومن داخل حركة فتح أيضاً، بأن السلام مع إسرائيل غير موجود، وهو كمن يقف وسط صحراء لا طريق لها ولا حدود آمنة، وحتى الفترة الأخيرة كان ينوي العودة إلى التفاوض مع الإسرائيليين، والتخلي عن تقديم مشروعة إلى مجلس الأمن، إذا ما رغبت إسرائيل في الموافقة على المتطلبات الفلسطينية، في مقابل تعهّده بصنع سلام حقيقي خلال حقبة وجيزة، تسمح بوجود دولتين لشعبين– يهودية وفلسطينية– تتعايشان في سلام عن جانبي حدود عام 67، لأن شروطه لم تلقَ آذاناً صاغية – برغم إبدائهم قلقاً أكبر-، بسبب ركونهم على دبلوماسيتهم السياسية والمصلحية في إحباط المشروع، وبسبب حجزهم للفيتو الأمريكي – كآخِر مرفع- في حال أخفقت تلك الدبلوماسية.
في ضوء ما سبق، والتطورات السياسية المترتّبة، وخاصة في ضوء تفاقم الأمور بين الجانبين وصلت إلى مرحلة ملعونة، فإنه يحق للرئيس “أبومازن” أن يبدي قلقه العميق، من عدم قدرته في مواجهة الممارسات الإسرائيلية، سيما وأنه يرى نفسه وفي آنٍ واحدٍ، مكبّل اليدين وقليل السيطرة على الجزء الأكبر من الفلسطينيين تجعلانه أمام معضلةً كبرى لا تقِل صعوبة عن التي يلاقيها من أي جانبٍ آخر، حيث كان يتوقع منذ استعداده للمصالحة مع حركة حماس، استرداد القطاع من بين أيديها خلال مدّة قصيرة بمساعدة العقبات المختلفة التي عانتها وتُعانيها الحركة والتي أثبتت كلما مرّ الوقت بأنها المسيطرة تماماً على كافة الأمور، فإلى جانب خوضه ولأول مرّة حرباً دبلوماسية ضروساً ضد إسرائيل وبأسلحة قضائية، ليست مضمونة النجاح، بسبب الاستعدادات الإسرائيلية الكافية في مواجهتها، فإنه لا يزال يخوض حرباً سياسية أخرى مع حركة حماس، حيث يخشى من طرفها أي شيء، ترتيباً على عدم الثقة بها، والريب المتكاثر بمحاولتها قتل الوقت وكسب المزيد من الإنجازات لتحقيق تواجد في الضفة الغربية والسيطرة هناك، ويُعزز ذلك الشعور بأن الحركة برغم إبدائها قلقاً متزايداً، لا توافق على أدنى اشتراطات الحكومة التوافقية حول إمكانية استلامها مقاليد الأمور، حتى يتسنّى لها إدارة القطاع نحو (سنغافورة الشرق الأوسط) من دون حماس أو من يتعاطف معها.
سنين طويلة من المفاوضات السياسية مع إسرائيل، وعِدّة سنين أخرى تفاوضيّة من أجل المصالحة مع حركة حماس، فهي وإن كان لها حشر الكل في الزاوية، لكنها لم تُستطع تغيير أي شيء من واقع الحال، فكلُّ طرف، وفي ظل كميّة القلق التي يحوزها، ثابت على مواقفه– مع الفوارق-، يناور بتكتيكاته ويحافظ على استراتيجياته، ولكن سيظل “أبو مازن” هو الأكثر قلقاً، بسبب أن مساعيه ضد إسرائيل، وسواء بالعودة إلى مجلس الأمن أو بالاستمرار في تغذية الجنائية الدولية، ربما لا تكون ناجحة، أو آماله باتجاه كسب النقاط أمام حماس، والتي قد لا تكون مُتاحة أيضاً، ونستثني فقط حدوث معجزة.
د. عادل محمد عايش الأسطل