صَرْخَةٌ في سَمْعِ أَهْلِ بَلَدي الْـمَشْهَد
تاريخ النشر: 10/01/15 | 13:00إِلى أَهْلِ بَلَدي الْـمَشْهَدِ، وَلا أَسْتَثْني مِنْهُمْ أَحَدًا، صَغيرًا أَوْ كَبيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثى، وَمِنْهُمْ لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ في وَسَطِنا الْعَرَبِيِّ، الَّذينَ ابْتُلوا بِمَصانِعِ الْـمَوْتِ بَيْنَهُمْ أَوْ في جِوارِهِمْ، وَما زالَ الْـمَوْتُ يَصولُ وَيَجولُ، وَلا حِسَّ وَلا خَبَرَ لِلنَّاسِ، كَأَنَّ الْـمَوْتَ في كَوْكَبٍ آخَرَ، وَكَأَنَّ السَّرَطانَ لَمْ يَفْتَرِسْ مِنْ كُلِّ بَيْتٍ فَريسَةً أَوْ يَقْطِفْ زَهْرَةً في أَوَّلِ رَبيعِها، فَأَقْصى ما يَقومُ بِهِ النَّاسُ مُظاهَرَةٌ لا تُسْمِنُ وَلا تُغْني مِنْ جوعٍ، أَوْ وَقَفاتُ احْتِجاجٍ عَلى الرَّاهِنِ ثُمَّ يَعودُ النَّاسُ إِلى أَشْغالِهِمْ وَكَأَنَّ أَمْرًا وَكارِثَةً لَمْ تَقَعْ وَلَمْ يُشَيِّعوا أَحِبَّةً.
كَابْنٍ لِبَلَدي الْـمَشْهَدِ، يُفْرِحُني فَرَحُها وَيُؤْلِـمُني أَلَـمُها، وَما أَرى مِنْ جَنائِزَ تُشَيَّعُ كُلَّ يَوْمٍ تَقْريبًا، ماتَ أَصْحابُها بِداءِ السَّرَطانِ، وَلا نُنْكِرُ أَنَّ الْـمَوْتَ قَضاءٌ وَقَدَرٌ، لكِنْ لِكُلِّ مَوْتَةٍ سَبَبٌ، وَأَسْبابُ هذا الْـمَوْتِ وَهذِهِ الْجَنائِزَ مَعْروفَةٌ لِكُلِّ ذي لُبٍّ وَنَظَرٍ، وَهُوَ السَّرَطانُ الَّذي تُطْلِقُهُ مَصانِعُ فينيسْيا الْـمُقامَةُ عَلى أَرْضِ الْـمَشْهَدِ، بِالْإِضافَةِ إِلى الْهَوائِيَّاتِ الْـمُسَرْطِنَةِ الَّتي ثَبَتَ أَثَرُها وَضَرَرُها الْـمُدَمِّرُ عَلَيْنا، رَغْمَ إِنْكارِ الْحُكوماتِ الْـمُتَعاقِبَةِ وَالْفُحوصاتُ الْـمُضَلِّلَةُ الَّتي تُرينا عَكْسَ الْحَقيقَةِ وَالْـمَوْجودِ، وَإِلَّا فَهُناكَ بَلْداتٌ يَهودِيَّةٌ كَثيرَةٌ يَكادُ يَنْعَدِمُ فيها مَرَضُ السَّرَطانِ، فَما بالُ السَّرَطانِ يَفْتِكُ بِالْوَسَطِ الْعَرَبِيِّ، وَنُخَدَّرُ بِالْكَلامِ وَالْـمُحاضَراتِ وَنَتائِجِ الْفُحوصاتِ، حَتَّى نَصْحُوَ عَلى الضَّحِيَّةِ التَّالِيَةِ وَالْجَنازَةِ الْقادِمَةِ، لِدَرَجَةِ أَنَّنا صِرْنا نُفَكِّرُ بِإِعْدادِ الْقُبورِ مُسْبَقًا لِـمُجَرَّدِ سَماعِ أَنَّ فُلانًا أُصيبَ بِالسَّرَطانِ، لِإِدْراكِنا الْخاتِمَةَ الْقَريبَةَ لَهُ.
كَفَرْدٍ مِنْ سُكَّانِ بَلَدي الْـمَشْهَدِ أُرْسِلُها صَرْخَةً إِلى صَميمِ قُلوبِ أَهْلِ يَلَدي قَبْلَ أَسْماعِهِمْ وَلا أَسْتَثْني نَفْسي، عَساها تُلامِسُ فينا عِرْقًا يَنْبِضُ غَضَبًا وَحِسًّا يَثورُ عَلى وَضْعٍ لَوْ بَقينا صامِتينَ عَلَيْهِ فَنَحْنُ فَرائِسَهُ، فَكُلُّنا عَلى نَفْسِ الْـمَرْكِبِ، لِأَهْلِ بَلَدي أَقولُ:
هُوَ السَّرَطانُ يا بَلَدي يَصولُ .. وَلَيْسَ يَحولُ عَنَّا أَوْ يَزولُ
فَلا أَمْنٌ بِشارِعَ أَوْ زَقاقٍ .. وَلا دَمْعٌ يَقيكَ وَلا عَويلُ
فَرائِسُهُ تَخَطَّتْ حَدَّ عَقْلٍ .. وَلَمْ تَعْقِلْ كَوارِثَهُ الْعُقولُ
قَنائِصُهُ صَغيرٌ أَوْ كَبيرٌ .. وَرُضَّعُ في اللَّفائِفِ أَوْ كُهولُ
وَفِتْيانٌ مَعَ الْفَتَياتِ أَضْحَوْا .. جَنى السَّرَطانِ يا عُقَلاءُ قولوا
أَما فينا رَشيدٌ أَوْ حَكيمٌ .. وَذو بَصَرٍ وَعَقْلٍ أَوْ أَصيلُ
نُشَيِّعُ مَيِّتًا في كُلِّ يَوْمٍ … وَلَوْ نَطَقَتْ جَنازَتُهُ تَقولُ
قَطيعٌ نَحْنُ وَالرَّاعي ضَريرٌ .. بِغَيْرِ عَصًا وَأَعْقَلُنا جَهولُ
فَكُلٌّ يَكْتَفي بِالشَّجْبِ حَلًّا … وَيُطْرِقُ لا تُواتيهِ الْحُلولُ
سِوى اسْتِنْكارِ صَمْتٍ في سِواهُ … وَيَقْتُلُ صَوْتَهُ صَمْتٌ طَويلُ
وَيُلْقي اللَّوْمَ إِنْ يَنْطِقْ جُزافًا .. فَكُلٌّ مُذْنِبٌ وَهْوَ النَّبيلُ
وَنابُ الْـمَوْتِ تَطْحَنُ دونَ وَقْفٍ .. رَحًى دارَتْ وَنَحْنُ لَها الْـمَكيلُ
فَلا الْـمُنْطارُ مِنْ فَتْكٍ سَيَنْجو .. وَلا السَّهْلاتُ غَصَّتُها تَزولُ
وَكَنَّةُ وَالظُّهورُ بِجَنْبِ لَيْلى .. بِيارَةُ وَالْجَماجِمُ وَالسُّهولُ
وَلا تَنْسَ الْبَيادِرَ قُرْبَ هِيصٍ .. وَدُورَةَ خَيْلُهُ فيها تَخيلُ
ووادي سالِمٍ أَضْحى قَنيصًا .. وَفي الزُّرَّاعَةِ اشْتَعَلَ الْفَتيلُ
وَلا حَسَنٌ، سُلَيْمانٌ وَمَرْعي .. وَمَنْصورٌ وَعيسى عَنْهُ زولُ
وَلا سودي، سَلامَةُ أَوْ فَلاحٌ … وَصالِحُ أَوْ عَلِيُّ تَسْتَقيلُ
وَلا حَمْدانُ ناجٍ أَوْ رَبيعٌ .. كُرَيِّمُ أَوْ عُبَيْدٌ وَاسْمَعيلُ
بِكُلٍّ طَوَّفَ السَّرَطانُ بَلْ ما … يَزالُ مُطَوِّفًا يَجْني، يَكيلُ
نُقيمُ مُظاهَراتٍ كُلَّ يَوْمٍ .. بِلا أَثَرٍ يُقاوِمُ أَوْ يُزيلُ
نَهُبُّ إِذا قَضى فَرْدٌ صُراخًا .. وَنَرْجِعُ بَعْدَها صَمْتًا نُطيلُ
تَخِمْنا مِنْ كَلامِ مُحاضَراتٍ .. وَجَمْعِيَّاتِ تَخْديرٍ تَبولُ
عَلَيْنا كُلَّ آنٍ تَسْتَبينا .. بِتَنْميقٍ وَأَقْتَلُهُ الْعَسولُ
وَنَنْسى الْـمَوْتَ يُذْهِلُنا خِطابٌ .. يَسوقُ مُفَوَّهٌ أَوْ قُلْ رَسولُ
يَفوقُ فَصاحَةً قُسَّ الْإِيادي .. وَلا رَاْيٌ لِأَحْنَفَ إِذْ يَقولُ
وَلا أَثَرٌ لِـما يُلْقي عَلَيْنا .. سِوى صَمْتٍ كَخَمْرٍ إِذْ تَغولُ
خُلاصَةُ قَوْلِهِ إِسْكاتُ صَوْتٍ .. وَتَخْديرٌ وَتَعْليلٌ عَليلُ
وَيَبْقى الْحالُ وَالسَّرَطانُ يَعْوي .. وَيَفْغَرُ شِدْقَهُ النَّهِمُ الْوَبيلُ
نُصارِعُهُ فَيَصْرَعُنا فُرادى… وَجَمْعًا ما لَنا عَرْضٌ وَطولُ
وَلا حَوْلٌ وَلا طَوْلٌ وَذِكْرٌ … فَقيرٌ في الْهَوامِشِ لا يَحولُ
فَأَيْنَ الدَّرْبُ يا بَلَدي لِنَنْجو … وَأَيْنَ وَأَيْنَ يا بَلَدي السَّبيلُ؟
وَحَلُّ الْأَمْرِ أَوْضَحُ مِنْ صَباحٍ .. جَلِيٍّ زانَ مَرْآهُ الْجَليلُ
وَجُلُّ النَّاسِ يُدْرِكُ ما رَمَيْنا .. إِلى مَعْناهُ وَالْـمَعْنى ثَقيلُ
فَهُبُّوا صَوْبَ أَنْتيناتِ مَوْتٍ .. وَفينِسْيا الْكَوارِثِ فَهْوَ غولُ
فَما السَّرَطانُ إِلَّا ابْنٌ لِهذي .. وَهذي، وَالتَّنَكُّرُ يَسْتَحيلُ
وَفينا الْعَزْمُ يا بَلَدي وَبَأْسٌ .. إِذا شِئْنا يَهونُ الْـمُسْتَحيلُ
وَإِنْ نَجْبُنْ نَمُتْ عَمَّا قَريبٍ .. وَيَمْضي الْقَوْلُ يا جُبَناءُ زولوا
فَلا يَرْضى بِهذا الْحالِ حُرٌّ.. وَيَرْضاهُ الْـمُدَجَّنُ وَالْعَميلُ
محمود مرعي