أغلق عليهم باب السماء
تاريخ النشر: 12/01/15 | 7:57لما ولي الحَجَّاج بن يوسف العراق، وكان أهله لا يتولى عليهم أحد يشوش عليهم إلا هلك سريعًا بدعائهم عليه، أمرهم أن يأتي كلُّ واحد منهم ببيضة دجاجة، ويضعها في صحن الجامع، وأراهم أن له بذلك ضرورة، فاستخفوا ذلك منه ففعلوا، ثم أمرهم بعد ذلك أن يأخذ كل واحد عين بيضته، وأراهم أن قد بدا له الرجوع عمَّا أراده، فلما أخذوا ذلك لم يعلم كل واحد منهم عين بيضته، فلما علم الحجاج أنهم تصرفوا في ذلك مدَّ يده إليهم، فدعَوا عليه على عادتهم فمُنِعوا الإجابة.
قال ابن الحاج معلقـًا على تلك الحادثة: “ولأجل هذا المعنى كَثُرت المظالم اليوم، وكثر الدعاء على فاعلها وقلَّت الإجابة، أو عدمت… فلو سلم بعضهم من مثل هذه الحال ودعا لاستجيب له عاجلا”.
أجمل حكمة
سُئل الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن أجمل حكمة قرأها في حياته فقال: “لقد قرأت لأكثر من سبعين عاما فما وجدت حكمة أجمل من تلك التي رواها ابن الجوزي رحمه الله في كتابه “صيد الخاطر” حيث يقول: “إن مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها وإن لذة المعاصي تذهب ويبقى عقابها”.
موقف إيماني رائع!!!
قال الشيخ محمد الغزالي: قلت لرجل تعوّد شرب الخمر: ألا تتوب إلى الله؟ فنظر إلىّ بانكسار، ودمعت عيناه، وقال: ادع الله لي.. تأملت في حال الرجل، ورقَّ له قلبي.. إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله.. وحزنه على مخالفته، ورغبته في الاصطلاح معه، إنه مؤمن يقينا، ولكنه مبتلى! وهو ينشد العافية ويستعين بيَ على تقريبها.. قلت لنفسي: قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ، صحيح أنني لم أذق الخمر قط، فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها، لكنّي ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني أذهل عن ربي كثيرًا وأنسى حقوقه، إنه يبكي لتقصيره، وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا، قد نكون بأنفسنا مخدوعين. وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر، قلت له: تعال ندع لأنفسنا معا: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
الأنصار
وقف جماعة من الأنصار على دغفل النسابة بعد ما كف بصره فسلموا عليه، فقال: من القوم؟ قالوا: سادة اليمن. فقال: أمن أهل مجدها القديم وشرفها العميم كندة؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الطوال قصبًا، الممحضون نسبًا، بنو عبد المدان؟ قالوا: لا. قال: فأنتم أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا. قال: فأنتم أحضرها قراء، وأطيبها فناء وأشدها لقاء، رهط حاتم بن عبد الله؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الغارسون للنخل، المطعمون في المحل، والقائلون بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم.
اللهم انصر دينك
ذَكَرَ الشَّيخ أَبُو شَامَةَ أَنَّ إِمَامَ مَسْجِدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَجْلَى فِيهَا الْفِرِنْجُ عَنْ دِمْيَاطَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقول: سَلِّمْ عَلَى نُورِ الدِّينِ وَبِشِّرْهُ بِأَنَّ الْفِرِنْجَ قَدْ رَحَلُوا عَنْ دِمْيَاطَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَيِّ عَلَامَةٍ؟ فَقَالَ: بِعَلَامَةِ مَا سَجَدَ يَوْمَ تَلِّ حَارِمٍ وَقَالَ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ انصر دينك.. ومن هو محمود الكلب؟.
فَلَمَّا صَلَّى نُورُ الدِّينِ عِنْدَهُ الصُّبْحَ بَشَّرَهُ بذلك وأخبره بالعلامة، فلما جاء إلى عند ذكر “من هو محمود الكلب؟” انقبض من قول ذلك، فقال له نور الدين: قل ما أمرك بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: ذلك. فقال: صدقت، وبكى نور الدين تصديقًا وفرحًا بذلك، ثم كشفوا فإذا الأمر كما أُخبر في المنام.
بماذا غلبوكم
قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجلا من عظمائهم، فقال: ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلونهم؟ أليسوا بشرا مثلكم؟ (يعني العرب)، قالوا: بلى. قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أضعاف في كل موطن. قال: ويلكم، فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ فسكتوا. فقال شيخ منهم، أنا أخبرك أيها الملك من أين تؤتون. قال: أخبرني. قال: إذا حملنا صبروا، وإذا حملوا علينا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون علينا فلا نصبر. قال: ويلكم، فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون؟ قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا. قال له: من أين هو؟ قال: لأن القوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحدا ويناصفون بينهم. ومن أجل أننا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط الله وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض. قال: صدقتني والله، لأخرجن من هذه القرية فما لي بصحبتكم خير وأنتم هكذا. قالوا: نشهدك الله أيها الملك؛ تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم.
نزّه سمعك عن الخنا
قال الوليد بن عتبه بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل، فالتفت إلى أبي، فقال: يا بني نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولقد نظر إلى ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رُدّت كلمة جاهل في فيه لسعد رادّها كما شقي قائلها.
لقد أخذ بأربعة أخلاق
استأذن عبد الملك بن مروان على أمير المؤمنين معاوية في الدخول، فأذِن له، ثم سلم عليه وجلس، وبعد أن فرغ من حديثه قام وانصرف، فقال معاوية: “ما أكمل أدب هذا الفتى!”، فقال بعض الحاضرين: “نعم يا أمير المؤمنين؛ لقد أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقًا أربعةً: أخذ بأحسن البِشر إذا لقي، وبأحسن الحديث إذا حدَّث، وبأحسن الاستماع إذا حُدِّث، وبأحسن الوفاء إذا وعد، وترك مزاح من لا يثق بعقله، وترك مجالسة من لا يرجع إلى الحق، وترك مخالطة من لا أدب عنده، وترك من القول والعمل كل ما يعتذر منه”.
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ
قال شجاع المدلجي: كان ابن الحطيئة رأسا في القراءات، وقرأت بخط أبي الطاهر بن الأنماطي، قال: سمعت شيخنا شجاعا المدلجي -وكان من خيار عباد اللَّه- يقول: كان شيخان ابن الحطيئة شديدًا في دين اللَّه، فظا غليظا على أعداء اللَّه، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة مع عظم سلطانه ونفوذ أمره، فما يحتشمه، ولا يكرمه، ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا وكذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة، وكفروا بالله.. وكنت عنده يوما في مسجده في شرف مصر، وقد حضره بعض وزراء المصريين، أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد، وقال: وأحرها على كبدي، أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بآنية الفضة؟! لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، وطلب الشيخ كوزا، فجيء بكوز قد تثلم، فشرب، واستحى من الشيخ، فرأيته والله كما قال اللَّه: (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ) (إبراهيم:17).
كلام بكلام
وقف رجل على شيخ خراساني يأكل في بعض المواضع، فسلم عليه فرد الشيخ السلام ثم قال: هلمّ، عافاك الله.
فتوجه الرجل نحوه فلما رآه الشيخ مقبلًا قال له: مكانك… فإن العجلة من عمل الشيطان.
فوقف الرجل، فقال له الخراساني: ماذا تريد؟
قال الرجل: أريد أن أتغذى. قال الشيخ: ولم ذاك؟ وكيف طمعت في هذا؟ ومن أباح لك مالي؟ قال الرجل: أوليس قد دعوتني؟
قال الشيخ: ويحك، لو ظننت أنك هكذا أحمق ما رددت عليك السلام.
الأمر هو أن أقول أنا: هلم، فتجيب أنت: هنيئًا، فيكون كلام بكلام. فأما كلام بفعال وقول بأكل فهذا ليس من الإنصاف.
وزراء السوء
حكى ابن سعيد المغربي في كتاب “المعرب في حلى المغرب”، في ترجمة عبد الرحمن الأوسط، وهو ابن الحكم، قال ورفع إليه أحد المشتغلين بتمييز الخراج أن القنطرة التي بناها جدّه على نهر قرطبة، لو رُسم (فُرِضَ) على الدواب والأحمال التي تعبُر عليها رسمٌ (ضريبة مالية) لاجتمع من ذلك مال عظيم. فرد عليه: “نحن أحوج إلى أن نُحْدث من أفعال البر أمثال هذه القنطرة، لا أن نمحو ما خلّده آباؤنا باختراع هذا المكس القبيح، فتكون عائدته قليلة لنا، وتبقى تبعته وذكره علينا، وهلا كنتَ نبهتنا على إصلاح المسجد المُجاور لك، قد تداعى جِداره واختلَ سقفه، وفصلُ المطر مُستقبل، لكن يأبى الله إلا أن تكون هذه المكرمة في صحيفتك، وقد جعلنا عقوبتك بأن تُصلح المسجد المذكور من مالك على رغم أنفك، فيكون ما تنفق فيه منك، وأجره لنا إن شاء الله”.
عبدك طغى ماؤه
نقل العلامة العباس بن ابراهيم المراكشي في “الإعلام” في ترجمة الواعظ محمد بن عبد الرحمن ابن عفير الأموي، وهو ممن لقي الإمام ابن الجوزي وتأثر به، عن بعضهم أنه قال: “حضرت بعض مجالسه الوعظية في تلمسان، وقد ذكر للحاضرين أنه يريد التزوج، والتمس منهم كفايتهم إياه النظر في ذلك، ثم أنشد:
وقلت يا رب حملناكم
لما
طغى الماء على الجارية
عبدك هذا طغى ماؤه
فاحمله يا رب على الجارية
فتأثر له الحاضرون وياسروه في مطلبه”.