محمد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
تاريخ النشر: 15/09/12 | 2:43ذكر القاضي عياض في كتابه ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) أن الخليفة هارون الرشيد ذكر للإمام مالك بن أنس ، أن فقهاء العراق أفتوه بجلد رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب الإمام ، وقال : ” يا أمير المؤمنين .. ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها ؟ مَن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جُلِد “.
والقرآن الكريم يرشدنا إلى حقيقة من يُؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً{57} سوره الأحزاب ، (( ..وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا )) 53 سورة الأحزاب . ({وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) التوبة 61 .
إن هؤلاء المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانوا من المسلمين فقد ظهرت علامة مرض قلوبهم ، وبرهان سرّ طويتهم الفاسدة ، وإن كانوا من غير المسلمين فقد كشف الله ما في قلوبهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ*هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 119)( 118 ) ، آل عمران .
وهؤلاء وأولئك إذا وجدوا أن للمؤمنين شيئا من قوة أو رد فعل كانت أجابتهم : ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُون)) التوبة:65 ،
ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مقدمة لتهالك حضارتهم وقرب زوالها ، فإنهم ما تجرءوا ولا عدلوا إلى الانتقاص وأنواع الشتم إلا بعد أن فقدوا المنطق ، وأعوزتهم الحجة ، بل ظهرت عليهم حجة أهل الإسلام البالغة ، وبراهين دينه الساطعة ، فلم يجدوا ما يجارونها به غير الخروج إلى حدّ السب والشتم ، تعبيراً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه المسلمين من المقت ، وغفلوا عن أن هذا يعبر أيضا عما قام في نفوسهم من عجز إظهار الحجة والبرهان ، والرد بمنطق وعلم وإنصاف ، فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام حضارة الإسلام عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم والأساليب الساخرة كما هم .
وهذا الإمام ابن تيمية يخبرنا عن سبب من أسباب النصر وقرب التمكين فيقول : ” حدثنا أعداد من المسلمين العدول ، أهل الفقه والخبرة عما جربوه ، مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية ، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا ، قالوا : إنا كنا نحصر الحصن او المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه ، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسّر ، ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين ، أو نحو ذلك ، ثم يفتح المكان عنوة ، ويكون فيهم ملحمة عظيمة ، قالوا : حتى إذا كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعتاهم يقعون فيه صلى الله عليه وسلم ، مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه “.
ونقول لعل تباشير الفتح والنصر آتية وما شدة الإقبال على الإسلام في الغرب إلا ملامح ذلك النصر والتمكين للإسلام في ارض بني الأصفر ، وعلى جمهور الدعاة والأمة الإسلامية التوجه إلى المطالبة بتجريم الإساءة إلى الإسلام ومقدساته ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الرسل والأنبياء والإصرار على ذلك كأحد أهداف الانتصار ، ومن المعلوم أن هذه معركة كبيرة لن تتم بسهولة ، ولا يتوقع ان تنتهي في وقت قصير ، والظاهر إنها ستكشف المزيد من المفارقات في الازدواجية الحضارية والسياسية لدى الغرب ، الذي لديه محرّمات تحرّمها القوانين وتخرجها من دائرة حرية التعبير كمعاداة السامية ، والتعرض للمحرقة اليهودية وغير ذلك ، بينما تجعل التطاول على القران والإساءة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ضربا من حرية التعبير ، وعلى الأمة جمعاء الإعلان عن عدم التوقف عن المناصرة الإيمانية والحضارية والمقاطعة الاقتصادية والسياسية لأي دولة يخرج منها بعض الأقزام الذين يسيئون للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم فقط بالاعتذارات مهما كانت واضحة أو رسمية ، وان الاعتذارات لا تكفي ولا تشفي .
وعلينا جميعا إحياء المعاني والمفاهيم الإيمانية كوجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمها على ما سواها وأهمية التضحية فداء للدين ، والدعوة إلى اجتماع ، وغرز معاني العزة والقدرة في نفوس المسلمين .
فلعل تكون نصرتنا على هدى وبصيرة ، وليست مجرد غضب عارم وعارض وتظاهرات هنا وهناك تستهلك قوانا في الصراخ والصياح ، – وهو حق وواجب أيضا – ولكنه ليس كل شيء ، والمصيبة إننا نظن بعدها أننا فعلنا كل شيء !.