أعطونا مسرحاً
تاريخ النشر: 16/01/15 | 14:21ليس المسرح غذاء نفتقده، ويكاد يكون ثالثيًا في مجتمعنا إن لم يكن ثانويًا، فلا كتابة مسرحية، ولا وعي مسرحي. ربما لأن المسرح حديث هو على الذوق العربي، وربما لأنه خوض في اتجاهات فكرية جادة، ونحن ـ بشكل أو بآخر نحاول أن نعتمد اليسر والسهولة والإيجاز.
الجمهور عامة – إذا أحب المسرح – فإنه يحفل بالمتعة والتسلية والترفيه، وهو يجد ضالته في المسلسلات وفي تسجيلات عادل إمام ودريد لحام وسيد زيان ومحمد صبحي وغيرهم. إنه لا يبحث عن تراجيديات جديدة تعيد صياغة المآسي التي يعيشها، أو ذهنيات جديدة تقحمه في دوامة اللامعقول. إنه يريد أن ينفّس عن مكبوتاته، يضحك حتى لأقل حركة أو لأقل تلاعب بالألفاظ ( قد يثير الاستهجان إذا قام بذلك غير الممثل الكوميدي).
ونحن إزاء مقولة شكسبير “ أعطني مسرحا وخبزًا أعطك شعبًا” في وضع أشبه بأسبقية الدجاجة والبيضة. ومهما تكن النتيجة فإن برتولد بريخت يقصد واقعًا كواقعنا عندما قال:
“ على مسرحنا أن يشجع يقظة الفهم، وأن يهذب الشعب حين يحس السعادة في تغيير الواقع. لا ينبغي أن يسمع جمهورنا كيف تحرر بروميثيوس فحسب، بل أن يمارس متعة المشاركة في تحرير بروميثيوس. يجب أن يتعلم جمهور المسرح كيف يشعر بالبهجة والرضا والمتعة التي يحس بها المخترع والمكتشف وشعور الانتصار الذي يحسه بطل التحرير” ( انظر كتاب فتحي خليل: “لعبة الأدب” ص 37).
لكن مسرحنا خشباته واهية، ذلك لأن جمهورنا يصارع أولاً وقبلاً في سبيل لقمة عيشه ووجوده، وهل – حقًًا- يجد جمهورنا وقتًا حتى يستوعب عمق الموسيقى والفنون التشكيلية والفلسفة والآداب الجادة؟
وفي سؤالي لا ابرر النتيجة بقدر ما أشير إلى الحقيقة المرة.
إذن يتعلق الأمر بالثقافة الفنية والخبرة الأولية، ونحن في هذه البلاد غير مهيئين حضاريًا لمسيرة مسرحية عريقة شهدها المسرح الفرعوني أو الإغريقي أو الكنيسي. وقد ظلت مسرحية “المدرسة” على نفس إطار المسرحيات القديمة كما تجلت إبّان الثورة الصناعية.
وتقتضيني الأمانة أن أعترف أن الفكرة السابقة هي للصديق نايف خوري أحد المثقفين مسرحيًا في بلادنا – الذي يرى أن جمهورنا غير واع ولا مثقف مسرحيًا.
ومع ذلك، فهل نكتف أيدينا ونندب حظنا؟
وللوصول إلى حل أمثل نحلل الظاهرة كما هي قائمة على “مسرح” الواقع فماذا نجد؟
نجد:
أ) مجموعة درست التمثيل والإخراج، وليس لها خلفية اجتماعية تتعانق وهموم الجمهور، أو على الأقل ليس فيها طاقة إبداعية كتابية رغم وجود الطاقة الفنية المتميزة.
ب) كتّابًا ليس لديهم خبرة بالنظرية العامة للدراما، ولم يتدربوا على تحليلات تطبيقية لروائع المسرحيات العالمية.
في تقديري أن هذه الفئة الثانية هي التي يجب أن تُنمى، وجدير عندها أن يلتقي الكاتب بالعاملين في المسرح للتعمق في معرفة هذا الفن، حتى يجعل شخصياته حية، تقول كلماتها بصورة مستقلة، ولا تكون بوقًـًا للمؤلف. تكون حية، تحاور، تناقش، تتخذ موقفًا، بل تنسلخ لتؤلف شخصية مستقلة.
إن تشجيع الكتابة المسرحية واجب المسؤولين في مجتمعنا – وعلى جميع الأصعدة- ذلك لأن الكاتب يفضل عادة أن يكتب قصة أو قصيدة توصله إلى الجمهور بأقصر الطرق، وذلك عن طريق المطبوعة. بينما في المسرحية فإنه لن يصل إلا في المسرح، وبعد عناء شديد ومغالبة، وتحريف لنصوصه، ورفض هنا وهناك.
ولو افترضنا أن مسرحية مّثِّلت، فإن المؤلف يكون – لدى الجمهور- من وراء الستار، ولا يمكن أن يكون شأنه كشأن الممثل الفنان.
فما أحوجنا – تبعًا لذلك – إلى تشجيع خاص للكتابة المسرحية المحلية!.
وفي ظني أن الكاتب المسرحي سيصور لنا الأحداث بعقدة تتسلسل منطقيًا، وبشخصيات مقنعة للنظارة، وبحوار مقطر بلغة فنية موظفة، ولا شك أن الصراع الذي سيطرحه هو روح العقدة والشخصيات، وأن الفكرة ستكون قوام المسرحية، وكلما حاورت الجمهور – صعودًا وهبوطًا، تنزل إليهم لتعلو بهم – كانت أوصل وأقبل.
وعندما يزداد ارتباطنا بالمسرح سنعتبره غذاء أساسيًا، وبالتالي سنشاهد على خشبة المسرح المحلي – وليس في المدارس والكنائس فقط – مواقف معقدة، وعواطف متصارعة، وأفكارًا تسيرنا إلى التغيير – كما يهدف الأدب.
فاروق مواسي