اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك
تاريخ النشر: 21/01/15 | 9:41يقول محمد إقبال رحمه الله: كنت أقرأ القرآن مثل بقية المسلمين أردده وأكرره بلا تدبر ولا تأمل، حتى دخل علي والدي -وكان عالما جليلا- وأنا أقرأ القرآن بشرود قلب وغفلة، فأمسكني وهزني وقال: يا محمد، اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك، فكنت بعدها كلما قرأت تسابقت دموعي مع وقع الآيات في قلبي.
وما أدراك ما السرائر
والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه والقلوب تنبو عنه، وقدره في الناس ليس بذاك!
ورأيت من يلبس فاخر الثياب وليس له كبير نفل ولا تخشّع والقلوب تتهافت على محبته.
فتدبرت السبب فوجدته السريرة فمن أصلح سريرته، فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه.
فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر.
البلاء كفارة الذنوب
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: شكا نبي من اﻷنبياء عليهم السلام إلى ربه فقال: يا رب، العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوي عنه الدنيا وتعرض له البلاء، ويكون العبد الكافر ﻻ يطيعك ويجترئ عليك وعلى معاصيك تزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا؛ فأوحى الله تعالى إليه: “إنّ العباد لي والبلاء لي وكل يسبح بحمدي، فيكون المؤمن عليه من الذنوب، فأزوي عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه، حتى يلقاني فأجزيه بحسناته. ويكون الكافر له الحسنات فأبسط له في الرزق وأزوي عنه البلاء فأجزيه بحسناته في الدنيا، حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته”.
اختصار الحكمة
روي أنه لما كثرت الحكم اختصرها الحكماء الأولون في أربعمائة ألف كلمة، ثم جاء جيل بعدهم وهو الجيل الثاني منهم فاختصروها في أربعة آلاف كلمة جامعة لمعاني الأربع مائة ألف كلمة، ثم جاء من بعدهم فردوها إلى أربعمائة جامعة أيضا لمعاني أربعمائة ألف، ثم جاء الإسلام فردوها إلى أربعين كلمة جامعة لمعاني أربعمائة، ثم جاء من بعدهم فردوها إلى أربع كلمات فيها معاني الأربعين فقالوا: أطع الله على قدر حاجتك إليه، واعصه على قدر طاقتك على عذابه، واطلب الدنيا على قدر مكانك فيها، واطلب الآخرة بقدر بقائك فيها.. ثم اختاروا أربع كلمات من أربعة كتب؛ من التوراة: من قنع شبع. ومن الإنجيل: من اعتزل نجا. ومن الزبور: من سكت سلم. ومن القرآن: (ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم).
أين حق الفائدة
جاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب وعنده أصحابه، فقال له: ما أراد القائل بقوله: الحمد لله الوهاب المنان، صار الثريد في رؤوس القضبان. فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال: أجيبوه، فلم يكن عندهم جواب، وقال له نفطويه: الجواب منك يا سيدي أحسن، فقال: على إنكم لا تعلمونه! قالوا: لا نعلمه. فقال للأعرابي: قد سمعت ما قال القوم، فقال: ولا أنت أعزك الله تعلمه. فقال ثعلب: أراد إنّ السنبل قد أفرك. قال: صدقت، فأين حق الفائدة؟ فأشار إليهم ثعلب أن أعطوه. وهذا من الطف الكنايات وأبدعها؛ يعني أن القمح الذي يُعمل منه الثريد قد صار في رؤوس القضبان زرعه.
هذا لقيامك لنا عن مجلسك
كان قعقاع بن شور قد قدم إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فدخل عليه والمجلس غاص بالناس ليس فيه مقعد، فقام له رجل من القوم وأجلسه مكانه، فلم يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم سيدنا معاوية ومعاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم، فجعلت إلى جانبه.
فلما قام القعقاع، قال للرجل القائم له من مكانه: ضمها إليك، فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك، فقيل فيه:
ولا يشقى بقعقاع جليس
وكنت جليس قعقاع بن شور
وعند الشر مطراق عبوس
ضحوك السن إن أمروا بخير
تعريف الزهد
قال أَبَو سُلَيْمَانَ الداراني: “اخْتَلَفُوا عَلَيْنَا فِي الزُّهْدِ بِالْعِرَاقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الزُّهْدُ فِي تَرْكِ لِقَاءِ النَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي تَرْكِ الشّبَعِ، وَكَلامُهُمْ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنَا أَذْهبُ إِلَى أَنَّ الزُّهْدَ فِي تَرْكِ مَا يَشْغَلُكَ عَنِ اللَّهِ”.
قال الحافظ ابن رجب وهذا الذي قاله أبو سليمان حسن، وهو يجمع جميع معاني الزهد وأقسامه وأنواعه.
من رأس العين يأتي الكدر
عن عبد الله بن صالح قال: سمعت الليث بن سعد يقول: لما قدمت على هارون الرشيد قال لي: يا ليث، ما صلاح بلدكم؟ قلت: يا أمير المؤمنين صلاح بلدنا بإجراء النيل وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكرم، فإذا صفا رأس العين صفت السواقي، فقال: صدقت يا أبا الحارث!
غني ينصح فقيرا بالزهد في الدنيا
قال بعض المشايخ: كان رجل في المغرب من الزاهدين في الدنيا، ومن أهل الجد والاجتهاد، وكان عيشه مما يصيده من البحر، وكان الذي يصيده يتصدق ببعضه ويتقوت ببعضه، فأراد بعض أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب، فقال له هذا الزاهد: إذا دخلت بلدة كذا فاذهب إلى أخي فلان فأقرئه مني السلام واطلب منه الدعاء، فإنه ولي من أولياء الله تعالى. قال: فسافرت حتى قدمت تلك البلدة، فسألت عن ذلك الرجل، فدُللت على دار لا تصلح إلا للملوك، فتعجبت من ذلك وطلبته، قيل لي: هو عند السلطان فازداد تعجبي، فبعد ساعة وإذا هو قد أتى في أفخر مركب وملبس وكأنما هو ملك في مركبه، قال: فازداد تعجبي أكثر من الأولين، فهممت بالرجوع وعدم الاجتماع به، ثم قلت: لا يمكنني مخالفة الشيخ، فاستأذنت فأذن لي، فلما دخلت رأيت ما هالني من العبيد والخدم والشارة الحسنة، فقلت له: أخوك فلان يسلم عليك، قال لي: جئت من عنده؟ قلت: نعم. قال: إذا رجعت إليه فقل له: إلى كم اشتغالك بالدنيا، وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا تنقطع رغبتك فيها. فقلت: والله هذا أعجب من الأولى، فلما رجعت إلى الشيخ قال: اجتمعت بأخي فلان؟ قلت: نعم. قال: فما الذي قال لك؟ قلت: لا شيء. قال: لا بد أن تقول لي. فأعدت عليه ما قال، فبكى طويلا وقال: صدق أخي فلان، هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره، وأنا أخذها من يدي ولي إليها بقايا التطلع.
جامعة ستانفورد في كاليفورنيا
استأذن رجل وامرأته على رئيس “جامعة هارفارد” دون موعد مسبق. فقالت سكرتيرة المكتب: “الرئيس مشغول جدا، ولن يستطيع مقابلتكما قريبا”، فقالت المرأة: “سوف ننتظره”. وظل الزوجان ينتظران لساعات طويلة أهملتهما خلالها السكرتيرة على أمل أن يفقدا الحماس البادي على وجهيهما وينصرفا. ولكن هيهات، ومع انقضاء الوقت وإصرار الزوجين بدأ غضب السكرتيرة يتصاعد، فقررت مقاطعة رئيسها، ورجته أن يقابلهما لبضع دقائق لعلهما يرحلان.
هز الرئيس رأسه غاضبا، وبدت عليه علامات الاستياء، لكنه وافق على رؤيتهما لبضع دقائق ليرحلا.
دخل الزوجان مكتب الرئيس، فقالت له السيدة إنه كان لهما ولد درس في “هارفارد” لمدة عام لكنه توفى في حادث، وبما أنه كان سعيدا خلال الفترة التي قضاها في هذه الجامعة العريقة، فقد قررا تقديم تبرع للجامعة لتخليد اسم ابنهما.
لم يتأثر الرئيس كثيرا لما قالته السيدة، بل رد بخشونة: “سيدتي، لا يمكننا أن نقيم تمثالا ونخلد ذكرى كل من درس في هارفارد ثم توفي، وإلا تحولت الجامعة إلى غابة من التماثيل والنصب التذكارية”.
وهنا ردت السيدة: “نحن لا نرغب في وضع تمثال، بل نريد أن نهب مبنى يحمل اسمه لجامعة هارفارد”. لكن هذا الكلام لم يلق أي صدى لدى السيد الرئيس، فرمق بعينين غاضبتين ذلك الثوب القطني والبذلة المتهالكة، ورد بسخرية: “هل لديكما فكرة كم يكلف بناء مثل هذا المبنى؟! لقد كلفتنا مباني الجامعة ما يربو على سبعة ملايين ونصف مليون دولار!”،
ساد الصمت لبرهة، ظن خلالها الرئيس أن في إمكانه الآن أن يتخلص من الزوجين، وهنا استدارت السيدة وقالت لزوجها: “سيد ستانفورد: ما دامت هذه هي تكلفة إنشاء جامعة كاملة فلماذا لا ننشئ جامعة جديدة تحمل اسم ابننا؟”، فهز الزوج رأسه موافقا.
غادر الزوجان “ليلند ستانفورد وجين ستانفورد” وسط ذهول وخيبة الرئيس، وسافرا إلى كاليفورنيا حيث أسسا جامعة ستانفورد العريقة، التي ما زالت تحمل اسم عائلتهما وتخلد ذكرى ابنهما الذي لم يكن يساوي شيئا لرئيس جامعة “هارفارد”، وقد حدث هذا عام 1884م.
الجراح بن عبد الله الحكمي
كان الجراح بن عبد الله الحكمي مقدم الجيوش وفارس الكتائب. ولي البصرة من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بْن عَبْد العزيز، وكان بطلا شجاعا، مهيبا طوالا، عابدا قارئا، كبير القدر.
قال سليم بن عامر: دخلت على الجراح، فرفع يديه، فرفع الأمراء أيديهم، فمكث طويلا، ثم قَالَ لي: يا أبا يحيى، هل تدري ما كنا فيه؟ قلت: لا، وجدتكم في رغبة، فرفعت يدي معكم، قَالَ: سألنا اللَّه الشهادة، فوالله ما بقي منهم أحد في تلك الغزاة حتى استشهد.