حيّد عن الجيشِ يا غبيشي
تاريخ النشر: 26/09/12 | 1:46أغنية شعبية فحواها التمرّد وتحدّي السلطة:
أغنية حيّد عن الجيشِ يا غبيشي المنتشرة في كل من الأردن وفلسطين، نحسن صنعاﹰ إذا ما أطلقنا عليها اسم “أغنية المطارد” وتسمية كهذه تلاءم زماننا هذا زمان يسمّى بالربيع العربي، زمان المطاردة… أما مطاردة هذه الأغنية فهي من نوع خاص فالمطارَد فيها ثائر ومتمرّد ولا يخشى الذي يلاحقه ومهما كان قوياﹰ ومستبداﹰ ففيها الإيمان بالمبدأ وفيها التحدّي.
وقصة هذه الأغنية هي قصة حب غبيشي الأسود وحسنة ذات الحسب والنسب وابنة القبيلة الكبيرة وليس مهما أن كانا أردنيين أم فلسطينيين فقصة حبهما هذه تختلف عن قصص الحب الكلاسيكية التي عرفناها ودرسناها: جميل وبثينة، عبلة وعنتره، قيس وليلى وكثير وعزّه… فهي من أروع قصص الحب العذري وهي اكبر وأكثر من قصة حب عادية بين عاشقين اثنين ومن عالمين مختلفين وعندما افتضح أمر حبهما أنكرت عليهما قبيلة “حسنة” ممثلة في أمير القبيلة هذا الحب وهددهما بالقتل، اضطرا مع هذا التهديد والوعيد الهرب إلى أحراش جرش أو عجلون والاختباء داخلها ، وفي رواية أن حسنة هربت معه واختبأت بعيدة عنه وفي أخرى انه هرب لوحده، وعندها توجهت القبيلة إلى قيادة الجيش العربي برئاسة القائد الانجليزي غلوب باشا “أبو حنيك” طالبة المساعدة في القبض على غبيشي وحسنة، استجاب أبو حنيك لطلب أمير القبيلة وأعدّ لهذه المهمّة كتيبة من “جيش الحناطير” كما كانوا يسمونها لتقبض على العاشقين الفارين. علمت حسنة بالأمر وكانت في مكان ما في الحرش بعيدة عن غبيشي وأخذت تغنّي وتقول: حيّد عن الجيشِ يا غبيشي… قبل الحناطير ما يطلّو ما يطلّو، علّة أي غبيشي يسمع الغناء أو النداء ويغادر مخبأه في الحرش الى مخبأ آخر… ولكن بدون جدوى فكبريائه يأبى عليه الاستكانة والخضوع، فعندما سمع رسالة “حسنة” الغنائية أنشد متحديا: “ما حيد عن الجيشِ لويشي، ولّي عادي غبيشي يا ذلّو… يا ذلّو، واكثر من ذلك فأنه فضّل المواجهة رغم أنها غير متكافئة ولكنها مواجهة فيها الأنفة والكبرياء والتحدي رغم ما يمكن أن يتأنى عنها من موت محقق فيما لو وقع في الأسر، ويتهكّم على القائد العام للجيش أبو حنيك ويقول: أبو حنيك اهديتو منّي هدية ثلاثة دعيتو حاله رديّة، خربّتِ بيتو بالعطيّة، ومرمي خلّتو بقلبو غلّو (غلّة)، ولرصاصة تصيبه في حنكه” ويستطرد قائلاﹰ رافعاﹰ شعاره الذي يؤمن به ويقدسّه: ونعيش طريده ولا نذّل… ولا نقوله يا سيدي ولا نخضع له… وما يهمني العسكر ولا الدولة…. وبيدي أم كركياه والها صوله”
إذن فأن أغنية غبيشي والحالة هذه تمثّل الحالة العربية اليوم وتعكس ما تمر به المجتمعات العربية اليوم فيما يسمى “الربيع العربي” لتعكس لحدٍ ما الحالة النفسية والاجتماعية التي تعيشها أكثرية الشعوب العربية اليوم غير مبالية بما يمكن أن تتعرّض له من مخاطر، تماما كما فعل غبيشي الذي آمن بل وقدّس ما آمن به رافضاﹰ من أجل من أحب الخنوع والخضوع والاستسلام متحدياﹰ بذلك السلطة برموزها: الجيش وأبو حنيك والقبيلة ورئيسها…..
حلو كثير سلام لك استاذ العزيز