صمت المصباح
تاريخ النشر: 21/01/15 | 10:55غريب أمر المصباح، غريب بصمته، غريب بحجم النور الذي يصدر عنه دون صوت.
ألا ترون معي أن النور الصادر من المصباح صامت، ولكنه في عتمة الليل يبدد الظلام، ويبعث على النور والطمأنينة، ويشيع جواً من الدفء في الأنحاء.
في عالمنا العربي، نسمع هذا الصخب الداوي، هدم وتدمير، قتل وجراح، ثكالى ويتامى، وتتقرح أكبادنا حسرة وألماً كلما تابعنا نشرة أخبار أو سمعنا عن أحوال الناس في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان وليبيا واليمن ونحوها، لنتيه في بحر من العواصف الحمراء الدامية، ونغرق في ضباب الواقع وعتمة اليأس.
هنا، هنا تحديداً يأتي دور المصباح، ويتجلى أثر النور الصامت، وهنا يدرك المجتمع حاجته للنخب الواعية، وتدرك هذه النخب مسؤوليتها تجاه حاضرها ومستقبلها، فإما أن تتقد وتشعل من نفسها مصباحاً، وإما أن تنحى منحى الخوف والدبلوماسية المقنعة فتنسف أحلام الأجيال اللاحقة.
وفي عتمة هذا الواقع، نتساءل بصدق، من يشعل نفسه؟ لا بالحرق بل بالنور، من يعلق الجرس ويقول أنا لها؟
لا أريد أن أجلد النفس بذكر تقصير من سبقنا، ولا أريد أن أخدعكم بكثرة الكلمات التي تحتوي على (يجب، ينبغي، علينا أن، لا بد من…) فما ضعنا وما ضاعت البلاد والعباد إلا بعد أن اهتممنا بتزيين الجُمل والعبارات ونسينا أن نجمّل واقعنا ومستويات تفكيرنا ووعي المجتمع الذي يحتضننا.
نحن اليوم – أيها الكرام – نحتاج إلى تكامل أصحاب العقول، وتفاعل النخبة في المجتمع بصورة سريعة وعقلانية، بحاجة أن يلتقي نور المصباح الصغير مع نور المصباح الصغيرالآخر، فمن تخصص في علم، ومن اكتسب خبرة، ومن يملك المال، ومن بيده نفوذ، ومن يستطيع الحشد، ومن يملك القدرة التخطيطية، وصاحب المؤسسة الإعلامية، ونحوهم، هم من يمكن لهم أن يصبحوا مشاعل الضياء المتلألئة والمتلاقية من أجل تشكيل نواة النور الصامت، ليتوسع حجم انتشار النور الصادر عنهم إلى اتجاهات ومجالات أخرى تزيد من مساحة النور في نفق الظلمة الذي نعيشه.
المسؤولية فردية هنا أكثر منها رسمية، فعلى هؤلاء أن يبادروا بأنفسهم ليجتمعوا ولو على كوب من الشاي، ليتحدثوا وليتعارفوا وتنقدح أذهانهم بالأفكار الخلاقة حتى ولو لم يحبوا بعضهم، فهم مسؤولون أخلاقياً عن مجتمعاتهم، وهم مسؤولون أمام محكمة التاريخ إن قصروا وفرطوا وأضاعوا.
ألا تتفقون معي أن قليل النور يعني الأمل؟! فكيف ببقع النور لو انتشرت في مساحات واسعة متفرقة، ألا يزيد ذلك مساحة الأمل لدى الشعوب المقهورة والقلوب المتعاطفة؟
السؤال هنا: من يبدأ؟ وكيف تكون البداية؟ والجواب البسيط: البداية بك أنت، فابدأ بما تستطيع.
المستشار د. نزار نبيل الحرباوي