حكم التعامل المصرفي بالفوائد
تاريخ النشر: 21/01/15 | 12:22إنّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني 1406هـ – 1985م، وبعد التأمل فيما قدم ومناقشة مركزة أبرزت الآثار السيئة لهذا التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث، وبعد التأمل فيما جرَّه هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في كتاب الله من تحريم الربا جزئيًا وكليًا واضحًا بدعوته إلى التوبة منه، وإلى الاقتصار على استعادة رؤوس أموال القروض دون زيادة ولا نقصان قلَّ أو كَثُر، وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين، قرر ما يلي:
أولًا: أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد؛ هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا.
ثانيًا: أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام هو التعامل وفقًا للأحكام الشرعية.
ملاحظات:
1. الربا من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات، وحسب المرء من عقوبتها أنها تؤذنه بحرب من الله ورسوله، قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله). وآكل الربا يستحق العقوبة بأمرين: بارتكابه المنهي عنه وباستهانته بالحرام، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محقّرات الذنوب التي تجتمع على الرجل فتهلكه (رواه أحمد في مسنده وحسنه شعيب الأرنؤوط)؛ فهلاك المصر على الكبيرة منحتم من باب أولى. وقد بين ابن القيم أن الاستهانة بالمحرمات هي سبب لتعظيم الذنب في حق مرتكبه مستدلا على ذلك بما أثر عن انس: “إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات” (رواه أحمد، وقال شعيب الأرنؤوط إسناده صحيح).
2. الربا نوعان: ربا الديون الذي ثبت تحريمه بالقرآن الكريم، وربا البيوع، الذي ثبت تحريمه بالسنة النبوية. والقرار الذي بين أيدينا يتحدث عن ربا الديون وله صورتان:
الصورة الأولى: الزيادة على الدين عند حلول أجل الوفاء وتأجيله مرة أخرى عند العجز عن الوفاء. الصورة الثانية: القرض مع اشتراط الزيادة عند العقد، أي ابتداء، وكلا الصورتين مما كان يطلق عليهما اسم ربا النسيئة.
وهذه الصور موجودة في واقعنا المعاصر في المعاملات المالية المختلفة…
3. ومن الصور المعاصرة لربا القروض والتي تجري في البنوك:
– الربا في أعمال الإقراض: حيث تقدم البنوك قروضا وتأخذ في مقابل ذلك مبالغ محددة سلفًا زيادة على أصل المبلغ تسمى بالفائدة. أو يقوم البنك بتقديم الفوائد لأصحاب الأموال المودعة لديها.
– الربا في الأعمال الخدمية: قبول الودائع الجارية وحفظها لأصحابها، وأخذ الأجر عليها وحفظ الأوراق المالية (الأسهم والسندات) وقيام المصرف بعمليات الصرافة أي بيع وشراء العملات بعضها ببعض، ويقع الربا في إصدار خطابات الضمان وخصم الكمبيالات (وسيأتي تفصيل هذه الصور بقرارات لاحقة).
4. القول بحرمة الفوائد التي تأخذها البنوك على ودائع العملاء واعتبارها من الربا المحرم شرعا هو ما تضافرت عليه القرارات والفتاوى منذ المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في القاهرة في المحرم 1965 م، ونص في بنده الأول على أن: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم. وتعاقبت بعد ذلك قرارات وتوصيات مؤتمرات عدة، منها:
– المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة 1976م، الذي حضره أكثر من ثلاثمائة من علماء وفقهاء وخبراء في الاقتصاد والبنوك، وقد أكد حرمة فوائد البنوك.
– المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية المنعقد في الكويت 1983م.
– المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، الذي أكد في دورته التاسعة المنعقدة في 1986 أن كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا.
5. لا يجوز بحال من الأحوال أخذ أموال الربا (الفائدة) من البنك للانتفاع بها، حتى لو دفعها في سبيل الضرائب وتسديد ديون الدولة ومخالفات السير وغيرها. أما لو أخذها من البنك حتى يتخلص منها فلا بأس بذلك، بل من المفضل له أن يأخذها ويصرفها في وجوه الخير ومساعدة الفقراء، وقد جاء في فتاوى مصطفى الزرقا: “بأن من له نقود في البنك فإني أرى خيرا من تركها في البنك يرابي بفوائدها أن يأخذ صاحبها ما يحسبه البنك عليه من فوائد يعطيها للفقراء”. ولا يحتسب للمرء جراء تخلصه من المال الحرام أجر الصدقة.
6. هناك فرق بين الربح والفائدة:
الربح: هو الزائد عن ثمن السلعة المشتراة منذ البداية بنية بيعها تجاريًا.
الفائدة في التعامل المصرفي: الثمن المدفوع نظير استعمال النقود. وهذا هو الربا. والربا: كل زيادة مشروطة على رأس المال. أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب، زيادة على رأس المال فهو ربًا.
إن قبول الفائدة عند القرض بحجة التراضي بين طرفي المعاملة وتسميتها ربحًا، هو الربا بعينه، لأن الربح يكون بعملية تجارية، ولا يغير الحكم تسميتها ربحا لأن العبرة للمعاني لا للألفاظ والمباني..
7. كل ما تروّج له بعض الفضائيات أو المؤلفات من جواز التعامل مع ما يسمى “فوائد البنوك” ما هي إلا أصداء لأقوال شاذة تحلل الحرام بحجة المصلحة والسعة والرحمة ومراعاة الضرورة، وما هذا الكلام إلا جرأة على الفتيا وعدم التثبت والفهم الصحيح للنصوص وللواقع.