العطاء ثمنه بسمة أمل
تاريخ النشر: 22/01/15 | 6:50عندما تكون حياتنا صعبة، نحتاج أحياناً إلى فكرة جديدة تساعدنا، أو نقرأ عن خُلق جديد يحمينا، أو نقرأ قصة إنسان ناجح، بحيث لو قرأنا ذلك ترتسم على وجوهنا وفي عقولنا أفكار وأخلاق وسعادة تُحقق بسمة أمَل.
واليوم سأحكي لكم قصة الدكتور مجد ناجي، وسأعطيها عنواناً هو:
وَسِّع على أهلك ربّنا يُوسِّع عليك..
هي كلمات قالها لي الدكتور مجد ناجي، جعلتني متشوّقاً إلى سماع قصته. والدكتور مجد طبيب أسنان فلسطيني، سافر إلى الإمارات لتحسين دخله. يقول لي:
– “بمجرَّد وصولي إلى الإمارات، قمتُ بفتح عيادة صغيرة، وكان إيجار العيادة مرتفعاً جداً. وعلى الرغم من أنه لم يكن لديَّ الدخل الكافي لدفعه شهرياً، إلا أنني قررت أن أتحمّل عبء هذا الإيجار، آملاً في أن يزيد زبائن العيادة. ومرت الشهور ولم يأتٍ إليّ أي مريض في العيادة. وتراكم الإيجار عليَّ، وظللتُ أستسمح صاحب العقار في أن يؤخر الإيجار لمدة، آملاً مرة أخرى في أن أستطيع تجميع الإيجار المتأخر، ولكن من دون فائدة.
وفي أحد الأيام، اتَّصل بي صاحب العقار وقال لي إنّ الإيجار المتأخر قد وصل إلى 18 ألف درهم، وإنه سيحوّل الأمر بالكامل إلى المحكمة بعد يومين، وإنّ عليّ دفع المبلغ للمحكمة، أو تقوم المحكمة بغلق عيادتي نهائياً وطردي من الإمارات”.
ويُواصل الدكتور مجد قائلاً: “اسْوَدَت الدنيا في وجهي، وأحسست بأن حياتي قد انتهت”.
وبعدها بيوم، فوجئت باتصال هاتفي من والدي يطمئن عليَّ، فسألته:
– كيف الحال عندكم يا أبي؟
فأجاب والده:
• الحال ليس جيداً، وصعب جداً الآن يا بني.
فتفحَّص الدكتور مجد جيبه فوجد فيه 2000 درهم، وقال لأبيه:
– لا تقلق، سأرسل لك غداً 2000 درهم يا أبي.
يقول: “شعرتُ بنبرة سعادة في صوت والدي. وفي اليوم التالي قمتُ بتحويل المبلغ إلى أبي. وأثناء عودتي إلى العيادة، تذكرت أنّ هذا اليوم هو اليوم نفسه الذي ستُحَوَّل فيه القضية إلى المحكمة، ففكرت في الذهاب إلى صاحب العقار للتوسُّل إليه، آملاً في أن يُؤجّل تحويل القضية إلى المحكمة. وفجأةً، رَنَّ هاتفين وإذا بها مديرة العيادة تقول لي:
– يا دكتور، ارْجَع إلى العيادة حالاً.
فلما دُهشت وسألت عن السبب قالت:
– تعالَ الآن وشاهد بنفسكَ.
صعدتُ مُسرعاً إلى العيادة، فوجدتها وقد امتلأت عن آخرها بأطفال ونساء ومعهم رجل. وإذا به رجل من وُجهاء الإمارات، متزوج بأكثر من زوجة، وجاء بكل زوجاته وأطفاله للكشف على أسنانهم، فبدأت في الكشف عليهم جميعاً. عند انتهائي سألني الرجل:
– كم الحساب؟
فقمتُ بحساب تكلفة عدد الكشُوف، فوجدتها 22 ألف درهم.
يُكمل الدكتور مجد: قمت بدفع 18 ألف درهم إلى صاحب العقار، ودفعت إلى أبي 2000 درهم، وتَبَقَّى معي 2000 درهم. ومنذ ذلك اليوم لم يمرّ بفضل الله يوم من دون وجود مَرْضَى في العيادة.
الدكتور مجد يَظْهَر الآن في القنوات الفضائية الخليجية، كواحد من أكبر أطباء الأسنان.
بَسْمة الأمل اليوم التي نَخْرُج بها من هذه القصة هي:
“وَسْع على الناس ربّنا يُوسِّع عليك..
“وسّع على الناس تَظْهَر لكَ بسمة أمل”.
وإليكُم هذه القصة الثانية وبسمة أمر جديدة. إنها قصة الطفل آدم.
آدم، طفل عنده 4 سنوات، من ذَوي الاحتياجات الخاصة، لديه تأخُّر في الكلام والاستيعاب. وكانت أمه تحاول علاج ابنها عن طريق جلسات التخاطُب، لكنه لم يكن يستجيب. أمّا الأب، فكان يشعر بضيق شديد من آدم، لأنه كان يتمنّى أن يكون له ابن سَوي مثل كل الأبناء، ودائماً ما يقول لنفسه: “لماذا يا رب هذا الابن؟ لماذا ابني أنا بالذات هكذا؟”.
كان الأب يسترجع في ذاكرته أبناء أصدقائه وذكاءهم، وظلّت الحياة جحيماً في المنزل، بل إنه من كثرة ضِيق الأب كاد الأمر يتطور ويتحول إلى الطلاق.
وفي يوم من الأيام، أثناء نزول الأب للتسوّق، أصرّت الأم على أن يصحب معه آدم. وأخذت تلوم الأب لأن هذا الطفل ابنه، وهو مسؤول عنه وله حق عليه. وافق الأب تحت إلحاح الأم على أخذ آدم معه، أثناء سيرهما في الشارع ومرورهما أمام أحد محلات الحلويات، نظر الأب إلى الابن، فوجد عينيه تُحدّقان نحو المحل، فأحَسَّ الأب بأن آدم يُريد الحلوى، فاصطحبه إلى الداخل ليشتري له الشوكولاتة التي كان يعرف أنه يحبها.
وأثناء وقوف الأب مع مسؤول المحل، لاحظ أنّ الطفل يتجه إلى أحد الأواني الزجاجية الموجودة في المحل، وفيه ورود، ويمد يده ليلتقط إحداها ببراءَة. فذهب الأب ناحية آدم، وقال له مُشيراً ناحية مكان الشوكولاتة:
– آدم.. هذه ليست للأكل.. الشوكولاتة هناك.
لكن آدم أصَرَّ على الإمساك بالوردة، فزادت حِدَّة نبرة صوت الأب، وقال للطفل بغضب:
– “دي وردة يا آدم، وهذه ليست للأكل”.
استَمّر آدم في تشبثه بالوردة، فاستشاط الأب غضباً، وندم على اصطحاب آدم من الأساس، لِمَا سبّبه له من إحراج.
ثم قال له وقد نفد صبره:
– “عايز الوردة.. خُذها ولا تأخُذ الشوكولاتة”.
وخرج الأب ومعه ابنه في غاية الحَرَج، وعاد إلى المنزل.
وفي الليل، وأثناء استلقاء الأب على السرير، كان يتحدث في داخله حزيناً ويتساءَل: لماذا يا رب أنا بالذات أرزَق بطفل، بدلاً من أن يُعينني يحتاج هو إلى مَن يُعينه؟
وكانت عيناهُ تَدْمَعان، وضاق صدره. وفجأة.. سمع خطوات تتجه إلى غرفته، فَوجَّه نظره، فوجده آدم.. نعم إنه آدم. كان ممسكاً بالوردة التي أصَرّ على أن يأخذها من محل الحلويات. ثم مد يده بها إلى والده وابتسم.
نَظَر الأب في ذهول إلى ابنه، لعَلّ الطفل الصغير يقصد شيئاً آخر، ولكن ظلّت يد آدم ممدودة لوالده بالوردة. هنا أدرك الأب أنّ آدم يُريد أن يعطيه الوردة. ثم قال لنفسه والدموع في عينيه: آدم ليس غبيّاً.. لم يكن يريد الشوكولاتة، بل كان يريد تلك الوردة ليهديني إيّاها.
يقول الأب: فاحتضنت آدم، وتحوّلت حياتي في لحظة من جحيم إلى سعادة بالغة، وأدركتُ وقتها فقط أنني محظوظ وغير مُبْتَلَى، كما كنتُ أظنّ، وأنّ الله سبحانه وتعالى، وهَبَني كنزاً ثميناً اسمه آدم.
بَسْمَة الأمَل التي نَخْرُج بها مَن هذه القصة هي:
أطفالنا من ذَوي الاحتياجات الخاصة،
ملائكة تعيش بيننا على الأرض.
تَعَامَلوا معهم على هذا الأساس،
تَرِسُموا على وجوههم بَسْمَة أمَل.