الممر "المَعفار"
تاريخ النشر: 27/09/12 | 9:08*هي أماكن يلتقي فيها العديد من الأسرى والموقوفين من الذين يأتون من سجون بعيدة أو قريبة من اجل الامتثال أمام المحاكم.. والتي تسودها ظروف بشعة جدًا*
ان كلمة “معفار” هي كلمة عبرية وكثيرًا ما يرددها الأسرى السياسيون والجنائيون على حد سواء ومعناها بالعربية “الممر”. ان هذه الأماكن ليست معدّة للإقامة الطويلة وإنما هي أماكن يلتقي فيها العديد من الأسرى والموقوفين من الذين يأتون من سجون بعيدة أو قريبة من اجل الامتثال أمام المحاكم، وأشهرها معفار الرملة والجلمة وتسلمون وبئر السبع. ان هذه الأماكن تسود غرفها الفوضى وعادة ما يكون الفراش فيها قذر وممزق، والدوشات فيها تلفة. زد على هذا وضع المغسلة والحنفية ليس بأفضل من وضع الدوش، الصراصير فيها تصول وتجول ومن جميع الأحجام. ان إدارات السجون في مثل هذه الأماكن لا يعنيها شيء، وبعض منها يشبه الإسطبلات من حيث التهوئة والمكان والنظافة. فعلى سبيل المثال – معفار الرملة نيتسان وأيلون – ان هذه الأماكن تفتقر إلى ابسط الأوضاع الإنسانية، فلا دوشات في الغرف وخصوصًا في الأقسام التي يُدخلون إليها الأسرى السياسيين. وإنما الدوشات موجودة خارج الغرف ولا يُسمح لأي أسير بأخذ دوش من الحمام إلا إذا كان مبيته في هذا المعفار يومي الجمعة والسبت – حينها يُسمح له لمرة واحدة ليس إلا. فلنتخيّل إذا كان الطقس حارًا وسافر أي أسير من الجلبوع إلى معفار الرملة – كيف ستكون حالته من العرق والتعب من طول السفر والمشوار بواسطة العذاب. وكيف سيسافر صباحًا إلى المحكمة في تل أبيب أو القدس؟!!.
أما المثال الثاني – معفار الجلمة: في هذا المعفار عادة ما يضعون الأسير السياسي في أماكن معزولة خانقة لا تهوئة فيها بتاتًا وهي تشبه المقابر وموجودة في الطابق الأرضي.. ولقد وضعوني فيها عدة مرات.. مليئة بالصراصير والقاذورات.. خانقة جدًا. وبعد احتجاجات عديدة من طرفي والإثبات لهم بأنني أعاني من ضغط الدم والسكري والبروستاتا، كانوا حينها ينقلوني إلى عزل اخف وطأة، ولكن المصيبة بأنهم يتعاملون مع أي أسير يدخله معاملة “خاصة” يعني يمنعون منعا باتًا أي أسير آخر من التكلم معه، ويضعونه تحت المراقبة الدائمة. فكم أبلغتهم بأنني مجرد مسافر إلى المحكمة ومكوثي هنا مؤقت، وأنا لست في فترة تحقيق ولم ارتكب أية مخالفة استحق بسببها هذا التعامل ولكن العقلية الفاشية الروبوتية تأبى ان تستوعب، مما كان يشعرني بالتقزز من مثل هكذا سجانين وخصوصًا عندما يدّعون بقولهم “هذه هي القوانين والأوامر” – يعني كما يقول المثل العربي “لا حياة لمن تنادي” – حينها يبقى التمني بالتحرر من هذه الأماكن شيئًا مُلحّا.. هذه الأماكن والذي يُطلق عليها “العلب الإسمنتية” – إنها تعكس همجية الاحتلال وعقليته الفاشية.
يبقى السؤال – هل يعقل في القرن الواحد والعشرين ان يتواجد مثل هذه الأماكن المظلمة والعفنة في دولة تدّعي ليلا نهارًا بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وبأنها أكثر دولة تحترم حقوق الإنسان؟!! ان هذا يذكّرني بالمثل العربي الذي يقول: “ان شر البلية ما يضحك”.
كاتب المقالة محمد خلف , سجين سياسي لا يزال يقبع في سجون الاحتلال