دم وزيتونة

حذارِ من نارٍ لا تشبع

وتنفّس فجراً لا يموت

تحيى به الأرضُ وَيُحْييها !

وَتحليقُ فراشاتِ الحُلمِ

وهي تحلمُ كَغَيرِها

أفئدتُها البَلّوريَّة تكشفُ نَقاءَ باطِنها

فلا تُمزق اجنحتها

إن لم تتمكن من حبس النهار

… وقد صار النور جزءًً من وجودها

افتح عينيك دفعةً واحدة

وواجِه الوهج

قاوِم عتمةَ اللحظةَ الأولى

تَنَفَّس بِعُمْق

دَعِ الهواءَ الباردَ يتسلل إلى صَدرِك

وابتَسِم !

تَظاهَر بالفرَح

وأنتَ ترسمُ القدسَ بخيالك

وستفرَح !

ستفرح وإن هزَّكَ بالدَّمْعِ البكاء

فوَعْدُ اللهِ لا ريبَ فيه

والنّصْرُ حقّ !

اسأل صخرةَ الخندق عنه

وغادِر بالصّبرِ البكاءَ

وقلّبْ بالهمِّ النّظرات

وعلى مشارفِ الدمعِ ابتَسِم

جرِّد نفسَك من شُجونِها

وقد عذّبَتْها باجتهادِها الذاكرةُ

أرَّقَتْهُ وهو يراقبُ كثيراً من حوله

بعيونِهم المفتّحةُ جُثثاً تتنفس !

وامْلأ غليونَكَ من ترابِ الزّيتونة

التي زرَعَها جَدُّكَ يوم وُلِدْتَ

وراقِبْ حبّاتِ الزيتون الصغيرة

وقد توَسَّدَتْ الأرضَ حين ذبحوا أمَّها

قتلوا الزيتونةَ التي وُلِدَتْ معه

وذبحوها مرةً أخرى

فاستَسْلَمَتْ للرُّقاد

وذبحوا الكهْلَ الذي وُلِدَ معها

لكنَّهُ لمْ يَمُت !

ذُبِحَ مع كلّ حبة

أرخَتْ عُنُقَها للغياب

وأمْطَرَتْ يومَ الذّبْح

كما يومَ ميلادُها السَّماء

واختلَطَتْ قطراتُ الماء

بحبّاتِ البكاء !

وبقِيَ الكهلُ يتنفّس

سخونةَ التراب

وبه شوقٌ لِحضنِه

يتحسّس أغصانَ زيتونتِه

وقد توارتْ من أمامِهِ الصّوَر

واخْتَفَتْ مع النّورِ الظّلال

هنا كانوا

وهنا في ظل زيتونتِهِ المذبوحة

رَسَموا النّهار

واشْتدّ الحِصار

يبكي ويصرخ ويهذي !

كان من خلف القضبان

يلوّحُ للوعد

ويتنفّسُ من حباتِ التراب

رائحةَ الدّمِ والانتظار