واقعنا الثقافي بين الامس واليوم
تاريخ النشر: 29/09/12 | 13:23لقد استحوذت القضية القومية ،في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ،على وجداننا الشعبي ووعينا الثقافي والروحي ،وعلى اهتمامات مثقفينا ومبدعينا الفلسطينيين المقيمين في الوطن ،واحتلت ماساتنا ومشاكلنا اليومية وقضايانا الوطنية الملتهبة كشعب عانى ويعاني الحصار والقهر والتمييز والاضطهاد السياسي ومحاولات طمس ومسخ هويته الفلسطينية- الكنعانية ،مساحة هامة وكبيرة في نتاجنا الادبي والثقافي والابداعي الشعري والنثري .وهذا النتاج عكس الهم الفلسطيني العام والمعاناة اليومية لشعبنا وطبقته العاملة الكادحة والتغيرات والانقلابات البنيوية الطبقية في مجتمعنا العربي الريفي والفلاحي ،وتصوير التقاليد والعادات والمفاهيم الاجتماعية والحياة البسيطة البعيدة عن الرياء والزيف والنفاق الاجتماعي . وقد انتشرت الثقافة الوطنية الشعبية والطبقية ،وترسخت العلاقة العضوية الحميمة والمباشرة بين المبدعين والقطاعات الشعبية والجماهيرية من خلال الندوات والامسيات والمهرجانات الشعرية والادبية في النوادي الحزبية والمراكز الثقافية ومعارض الكتب ،كما تشكلت الشخصية الثقافية الفلسطينية الواعية التي ساهمت في صياغة الحلم / الرؤيا ورسم معالم وخطوط المستقبل الزاهر ،وتعمق الاندماج والارتباط الوثيق بين الحركتين الادبية والشعبية العمالية ،وتوهج الادب المقاوم والاحتجاجي الرافض لسياسة السلطة ،وايضا تزايدت المبادرات الهادفة الى خلق وتنشيط الحوارات والسجالات الادبية والثقافية.
ولكن ما يقلق ويؤرق الحريصين على حياتنا الثقافية ومستقبل شعبنا واجيالنا الصاعدة والقادمة ،هذا الانحسار والتراجع والهبوط في المستوى والاداء الثقافي والابداع الاصيل والرضوخ للنمط الاستهلاكي الذي يحد من التفكير ويخنق الابداع الثقافي ويشل انطلاق الروح الانسانية ،ويشوه الذوق الجمالي الفني للانسان .فقد تقلص الاهتمام بالثقافة والكتاب والادب الانساني والفن الملتزم بالقضايا الشعبية ،كذلك غابت النتاجات الادبية الخلاقة العاكسة للظواهر الحياتية والنفسية والمسائل الاجتماعية والسياسية والطبقية المتفاقمة في مجتمعنا جراء المفاهيم والمنطلقات العقيمة وسياسة التدجين والترويض ،ناهيك عن ثقافة العولمة وخفوت وانهيار القيم التربوية والاخلاقية والجمالية ،والبحث عن الذات واللهاث وراء المادة والمظاهر الشكلية . وعليه هنالك حاجة الى تحريك الحياة الثقافية وجعل الثقافة جزءا عضويا من الاهتمام الحياتي اليومي ،والتغلغل في الواقع والاندماج اكثر في المشاكل والهموم المعيشية لشعبنا الذي يئن تحت وطاة القهر والبؤس والظلم القومي ،بالاضافة الى استيعاب وهضم التحولات البنيوية والظواهر الاجتماعية المختلفة ورصدها في النصوص والاعمال الادبية ،واعادة التفاعل الاجتماعي والنفسي بين الادب والمجتمع والحياة ،وغني عن القول ان الادب الواقعي الحقيقي هو الباقي والخالد في حياة الشعوب الطامحة الى الحرية والاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية