كونوا نبعا فيّاضا متجدّدا
تاريخ النشر: 20/02/11 | 1:38كلمة الدكتور محمود ابو فنة في حفل تكريم المتعلم المتقاعد في المركز الثقافي الحوارنة نهاية الاسبوع الماضي :
تتزاحمُ الكلماتُ والأفكار في رأسي، وينتابُني شعورٌ من الذهول وأنا أقف اليومَ أمامكم في هذا الموقف!…كيف لا، وأنا أستعرضُ أمامي شريطَ الذكريات الحافلَ بالأحداث!
بالأمسِ القريب كنا نلعبُ ونلهو على ضفاف وادينا، وحول بئرنا المعطاء نرسل فيها الدلاء وننتشلها مملوءة بالماء العذب لننقلَه لبيوتنا العامرة بالمحبّة والصفاء!
بالأمس القريب كنّا نتحلّقُ حول كانون النار ونصغي لحكاياتُ الأهلِ الساحرة المسلّية!
بالأمس القريبِ كنّا نجلس على مقاعد الدراسة نردّدُ ما يقولُه لنا المعلمون، أو نلقي القصائدَ الجميلة بانفعالٍ وحبور!
لا كهرباء، ولا مذياع، ولا تلفزيون، ولا حاسوب ولا إنترنت ولا هواتف خلويّة!
لكنَّ عجلةَ الزمن تدورُ ولا ترحم!
كبرنا، وصار لنا أبناءٌ وأحفاد!
تطوّرنا فأصبحنا نشاهدُ المئاتِ من القنوات الفضائية، ونبحرُ في الشبكة العنكبوتية، وندمنُ على استخدام الهواتف الخلوية!
والأهمّ: تعلّمنا وعلّمنا وربّينا حتى خرَجنا إلى التقاعد!!
لم تكن مهمّتُنا سهلةً، كافحنا وعانَينا، زرعنا وصبرنا، وها نحن نقطفُ الثمار اليانعة؛
إنّهم هذه الجموعُ والأعدادُ المباركة من الأبناء والأحفاد والخرّيجين الناجحين أو الواعدين الذين يثبتون للداني والقاصي أن أرضَنا خصبةٌ معطاء، وأنّ أبناءنا بررةٌ متميّزون ومبدعون!!
يكفينا فخرا واعتزازا ما نلمسُه في قريتنا الحبيبة من إنجازات وتقدّم!
ولنفسي ولكم، أيها الأحبّةُ الأعزّاءُ، أقول:
إن الخروج للتقاعد لا يعني التقاعسَ ولا الخمول، ولا يعني التوقّفَ عن العطاء!
انتهت مرحلةٌ وبدأت مرحلةٌ جديدة، انتقلنا إلى موقعٍ جديد ومحطّةٍ جديدة!
سنواصل مسيرة العطاء مستمدّين الحكمةَ من تجارب السنين ومن معلوماتنا الثريّة!
سنواصل التطوّرَ والنماء متسلّحين بالإرادة والعزيمة والإيمان الصادق!
فالشيخوخةُ تكمنُ في الروح والإحساس أكثرَ ممّا تكمنُ في الجسد،
والإنسانُ يهرمُ حين يتوقّفُ عن التطوّر والتقدّم!
سيظلّ شعارُنا الأثيرُ قولَ اللهِ تعالى في كتابه المبين:
“وقل ربّي زدني علما”.
وسنظلّ نقتدي برسولنا العظيم خاتمِ الأنبياء والمرسلين في حديثه الصادق:
“اطلبوا العلمَ من المهد إلى اللحد”.
لكلّ هذا أُهيبُ بكم أن تواصلوا مسيرة التطوّر والعطاء والتواضع!
كونوا كالسنابل الملأى لا السنابل الفارغة، وما أجملَ قولَ الشاعر:
ملأى السنابلِ تنحني بتواضعٍ – والفارغاتُ روؤسُهُنّ شوامخُ
أقبِلوا على المطالعة واجعلوها عادةً متأصّلة في نفوسكم لأنّها تكسبُ المعرفة، وتوسّع الآفاق، وتشحذ الفكر، وتنمّي الخيال، وتغرس القيم، وتصقل الشخصية، وتمنح المتعة والتطهير!
كونوا نبعا فيّاضا يتجدّد على الدوام، فالمياهُ الراكدة تصبح آسنةً فاسدة!
جودوا على مجتمعكم بما تملكون من معارفَ وتجاربَ، وتذكّروا ما آلت إليه تلك التينةُ الحمقاء التي جنت على نفسها عندما امتنعت عن العطاء، فجاءت حكمةُ إيليا أبو ماضي: :
من ليس يسخو بما تسخو الحياةُ به – فإنّه أحمقٌ بالحرص ينتحرُ
لنعملْ على رفعة هذا البلد الطيّب بالتكاتف والتعاضد والمحبّةّّ والإخلاص!
فهذه رسالةٌ وأمانةٌ في أعناقنا ما دامت قلوبُنا تنبضُ بالحياة!
قال تعالى:
“وقُل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه
[…] في هذه المناسبة: كونوا نبعا فيّاضا متجدّدا. كلمة مفتش المعارف سابقاً د. محمود ابو فنه قم للمعلم […]