حوار وفاء يوسف حول رواية “اولاد حارتنا” مع محمد صبيح
تاريخ النشر: 26/01/15 | 8:24الادب العربي قديما لم يشهد الروايات الطويلة والقصص الكبيرة ليس ضعفا ولا ضيقا وانما لا حاجة لها بمثل هذه الروايات التي تصور حياة الشعوب والأمم، وإنما اكتفى بالقصة القصيرة المعبرة عن نوازع النفس وترجمة العواطف بشكل موجز من غير إطالة وأسهاب. فكان أدب كلمة موجزة موحية، أدب نظرة صائبة، أدب عاطفة صادقة، وعبارة دقيقة معبرة عما يعتلج في نفس العربي، ومصورة لأحزانه وأتراحه، ناطقة بكسراته وأمجا ده . ومن هنا كان الأدب العربي قديما يصور البيئة العربية، بيئة الصحراء الصافية الرتيبة، التي تحتضن أبناءها، تقسو عليهم فيطيعونها، لذا فهم ليسوا بحاجة لنقل آلامهم ومشا عرهم وعواطفهم عبر روايات وقصص طويلة كبيرة، فما هو مأثور عنهم (الدقة والإيجاز) وهو من أهم ميزا ت اللغة والأدب وفنونه. وفي العصر الحديث الذي شهد التطور والتقدم في كافة الميا دين ووجوهها المختلفة وتأثر الأدب العربي بالآداب الغربية الأوروبية،وخاصة الأدب الفرنسي، فكان ثمرة هذا الاختلاط تبادل الثقافة والأفكار وسائر الفنون الأدبية وأجنا سها المختلفة، فكانت المقالة سواء كانت أدبية أو علمية،والخاطرة، والحديث الإذاعي، والرواية، تأثيرا وتأثرا، فظهر الأدباء والكتاب، ونشطت الترجمة عن الآداب الغربية، ينقلون الروايا ت ويؤلفون القصص الطويلة التي تحكي قصص البطولة والأمجاد وتسرد ألوانا متعددة من حكاية الشجاعة والبسالة، كقصة عنترة، والزير سالم، أو روايات البؤس والشقا ء والتشرد والضياع نتيجة الحروب والفقر وتردي الأوضاع الاجتماعية وانهيا ر القيم النبيلة تحت وطأ ة التقليد والاختلاط أو الحاجة الجا محة لد فع غائلة الشر والأذى، ومحا ربة جيوب الفقر والأذلال، والبحث عن سبل الرزق والمأوى وما يتعرض له الأنسان العربي منة حرمان وتعسف وجور ثم نشط الأدب وشهد نهضة نوعية وقفزوا الى الأما م في مجا ل هذا الفن والجنس الأدبي الرفيع الذي يتنا غم مع حاجا ت المجتمع، بكافة أطيافه يصور المعاناة الاجتماعية تسويرا أمينا دقيقاَ، وينقل لنا مشا هد البؤس والحرمان بكل دق وتفصيل. فجا ء هذا الفن القصصي الروائي يحكي قصص الشقا ء والقهر، وخاصة المجتمع العربي الذي يما رس عليه شتى صنوف القهر الاجتماعي والمعيشي والقهر الاقتصادي وحتى القهر السياسي ألواناَ متعددة وعذا ب وآلام،
القصة من الأجناس الأدبية الممتعة الشائقة، ومن الفنون الأدبية الوافرة أذ تعتمد على عنصري الأثارة والتشويق، وقد وردت كلمة القصص في مواطن كثيرة منة القرآن الكريم، لالتقاط العبرة والعظة، ولما لها من تأثير في تأديب النفوس وتهذيب الوجدان، بأسلوب بليغ حكيم، ولغة ممتعة، وعبارة دقيقة، تستل ما في النفوس من كراهية وحقد، وتسمو بها وتطهرها مما يعلق بها من وساوس وأدران، وهي عنوان ثقافة الشعوب ومرآة عاداتها وتقاليدها ورمز مجدها وتراثها.
وهي أصلاَ حكاية، والحكاية في اللغة تعني ما يقص من حادثة حقيقية أو خيالية شعرَ ونثراَ، كتابة أو شفا هاَ، وهي تسرد أحداثاَ حقيقيةَ أو خيالية بقصد الأخبار والاهتمام وأمتا ع السا معين أو القراء وأفادتهم، حيث تقوم على حدث الذي هو عنصر أسا سي فيها، والقصة ترجمة أمينة لما يعتري النفص، ويقوم معوجها ويصلح فاسدها، ومعيار ثقافتها وآدابها،.
فحقيقة الأنسان لا تتكشف وتتوضح أغوارها في الوا قع العادي، بل عندما تشتد سورات الانفعال، وتخرج الأنسان بأقواله وتصرفا ته من وطأ ة العقل المتزن والمعايير الأخلاقية، والمقاييس الخارجية والاعتبارات الاجتماعية، معبرة عن خفا يا ضميره المكتوم، ومكنون صدره المكبوت الانفعال، يقذف الى الخارج بكل ما في الضمير من حمم وصخب وعنف وشهوا ت ينهش بعضها بعضاَ. فوقف الأدب وخاصة القصة في أد راك بعض الأغوار السحيقة في النفس، وحللت العواطف الإنسانية الأسا سية وخاصة صرا ع الأنسان وتنازعه بين الواقع والمثال، ومده وجزره بين الفضيلة والرذيلة بين الوا جب والهوى، لذا فهي أدب فكرة لا صورة، لأنهم يعبرون بأفكار تفهم، وقلم بصور توحي، لأن الخيال رديف العقل، يجري في ركا به ويتقيد بقيوده، فكل ما في القصة يؤدي بالضرورة الى نهاية القصة التي يرويها الكاتب ويبرز فيها معنى المشهد والموقف الذي يصوره ثم اتسعت رقعة الهموم أما م الكاتب والروائي العربي، تتكا ثر هذه الهموم وتتصارع على طول الساحة وعرضها، ويتصدر هذه الهموم القهر بكل أنما طه وأشكاله، من قهر اجتماعي ومعيشي وقهر اقتصا دي وما لي وحتى القهر السياسي. فالأنسان العربي مقهور مضيق عليه في الرزق والرأي والمسكن، أذ تقهره الأنظمة العربية كافة، وتسترقه الأعراف والتقاليد. ففي رواية لطيفة الزيا ت (البا ب المفتوح) ينكر عليها أبوها ان تشترك بالمظاهرات الوطنية ضد الإنجليز، وتتعرض للإهانة والضرب، فالمرأة العربية ضحية الأعراف الخاطئة، سجينة العفة المفروضة، أسيرة الجسد المستباح. وجاءت الراوية الفلسطينية “سحر خليفة” في روايتها (الصبا ر وعبا د الشمس) حيث برفض (رفيف) العرض التجريدي الذي يقدنه لها حبيبها عادل.. والروائي السوري (حيدر حيدر) في روايته (وليمة لأعشا ب البحر) يعرض للمرأة المتحدية.
وهنا يسوقنا البحث الأدبي الى الأهتمام بالرواية العربية التي بدأ منذ الثما نينا ت. فالرواية العربية الحديثة تملي على البا حث كماَ من الشكليات المتعلقة بنشأ ة الرواية وعلاقتها بالتراث السردي والنمط الأوروبي، فأن طبيعة تطورها تثير عدة مسائل رغم مرونة هذا الجنس الأدبي وقدرته على الأستجابة الى المقا ربا ت النقد ية المختلفة والذي يتبع النص الأدبي الذي يصدر عن الرواية يلاحظ محا ولات التجا وز والسعي لآنتا ج رواية حديثة تعكس موقفاَ نقدياَ صريحاَ أو تلميحاَ تجاه الأنجازات السائدة، فظهر في الستينات عدد ها م من الكتاب أثاروا اهتما م القراء، وصدرت مجموعة من الروايا ت استقطبت اهتما م النقد والنقا د، ولكنها تعرض تجارب متنوعة ومختلفة في مضا مينها وأشكالها، وتقتضي دراسة مظاهر الرواية العربية الحديثة، وهنا نسأ ل ما صلة الرواية العربية الحديثة بالرواية الغربية عامة وخاصة الأوروبية على ضوء منهج الأدب المقا رن. وقد سبقت د. كوثر عبد السلام البحيري في كتابتها “أثر الأدب الفرنسي على القصة العربية ” وحددت مظاهر تأثير الأدب الفرنسي في القصة العربية منذ حملة نابليون على مصر و أ ذكا نت أول احتكا ك بين مصر وفرنسا،. وتختلف القصة عن الرواية في البعد الذي سما ه (أرسطو)”الحجم” ويعني به الطول، ووفقاَ له تتسم القصة بالقصر، فيا تتسم الرواية بالطول، ولهذا نقول عن القصة نثر سردي قصير، والرواية عمل نثري طويل، وان لم يكن هذا الفرق جوهرياَ ألا أنه فرقاَ حقيقياَ، حيث يقود بالضرورة الى مميزات وخصائص أخرى، وفي هذا يقول: (جيرمي هوثورن) أن المسألة ليست مسألة طول، أذ أننا نشعر بأن الرواية يجب أن تنطوي على توضيح ذي أهمية أنسا نية بطريقة تسمح بتعقيد المعالجة، وفي الجملة يكون الطول مسألة جوهرية كي يسمح بهذا التعقيد، بينما القصة تمثل وضعاَ نفسياَ واحداَ تقريباَ للشخصية،تمثل الرواية تجسيداَ وامتداداَ متبدل المراحل والحا لات والأوضاع النفسية للشخصيات، ولذا فان شخصيا ت الرواية تشهد تبدلات جوهرية، فيما لا تشهد القصة مثل هذا ألا حين يكون تبدلاَ أو تحولاَ تقو م عليه القصة. ولهذا تتنا ول القصة حدثاَ أو جزءَ من حد ث، بينما الرواية تتنا ول مجموعة أحد اث أو حيا ة بامتداد تام، فكا نت القصة تعنى بحد ث تا ريخي أو جزء منه أو مشهد أو حالة ما خارجية فتلتقط، أو داخلية فتستبطن. فالرواية تأخذ كل الحدث مع غيره مجموع حالات ومشا هد بكل ما يقاد لها، أوكل ما ستقود اليه………………….
الأديب الكاتب .: نجيب محفوظ فنا ن أديب بطبيعة أنسا نية واعية، وخيا ل خصيب، وفكر عميق واسع الأفق، تعرض في روايته (أولاد حارتنا) الى الخلق والوجود، موظفاَ ومتخذاَ شخصيا ت رمزية مثيرة للجد ل، مما جلب عليه الأنتقاد وأثارة مشيخة الأزهر منددين بالرواية ومتهمين نجيب محفوظ بالخروج عن التقاليد الدينية والأعراف الأخلاقية الرفيعة، ومنعت الرواية من التدارل حيث أثارت عاصفة شديدة، باعتبارها تتناول شخصيات دينية ورموز ايمانية، مثلاَ، الجبلاوي يرمز الى جبريل، وأدهم الى آدم، وعرفة الى العلم ……………….وهكذا، لكنه خطا بفن الرواية خطوات متقدمة أدى الى نمو وظهور فن الرواية منذ الستينات، ونحت مناحي مختلفة، واتجاهات متعددة، تعالج الهموم والقضايا التي تهم المجتمع وما يتعرض له من الوان القهر والظلم، وتعددت الروايا ت فمنها الروايات الحقيقية والتاريخية والروايات الخيالية، ومنها الروايات الرمزية التي يكون للخيال فيها مكانة كبيرة باعتبار أن الخيال رديف العقل.