العودة إلى السوق
تاريخ النشر: 29/01/15 | 14:20قد يظن الناظر إلى واقع التجارة الدولية بأن هناك قطيعة بنيوية بين المسلمين والتجارة، وأن المسلم أقرب إلى أن يكون مستهلكاُ ومشترياُ من أن يكون منتجاُ وبائعاً، فالواقع يشير إلى أن (90%) من مشتريات المجتمعات الإسلامية هي لبضائع مستوردة وأن فقط (10%) منها هو إنتاج إسلامي، وفي حين يشكل المسلمون قرابة رُبع (25%) سكان الأرض نجد أن مساهمتهم في الناتج العالمي لا تتعدى العُشر (10%) فقط.
إن هذا الواقع طارئ بكل تأكيد ومخالف لما ينبغي أن تكون عليه الأمور، فالعلاقة بين الإسلام والتجارة علاقة أصيلة، ويكفي أن نعلم أن الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي اشتغل نبيها بالتجارة، وأن أول ما بناه النبي صلى الله عليه وسلم بعد المسجد مباشرة كان السوق، وأن أول من أقام المعارض التجارية والمناطق الصناعية هم المسلمين. كما وجعل الإسلام السعي في طلب الرزق عبادة، فهو لا يرضى للمؤمن أن يكون فقيراً أو متبطلاً، بل يريده غنياً قوياً، فالمال بيد المؤمن مصدر خير له وللناس، وعندما يكون المؤمن غنياً فسيكون حراً غير تابع وسيتصدى لتكليف تبليغ رسالة الإسلام، وقد سطّر التاريخ دخول شعوب بأكملها في الإسلام بفضل تعامل التجار المسلمين الذين امتازوا بالعدل والصدق والأمانة.
أما اليوم وفي ظل غيبة الإيمان عن مسرح التجارة والاقتصاد فقد أصبح الغِنى مصدر طغيان وظلم: {كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى}، فترفّهت وأُترفت شعوب وحرمت شعوب أخرى، واستغل القويُ الضعيفَ، وساد الاحتكار والأثرة والغش والنزعة الاستهلاكية، وأصبحت الغاية هي المزيد والمزيد من الأرباح المادية وبأي وسيلة كانت فلسان الحال يقول: Business is business””.
فكأني بالأسواق العالمية حزينة تنتظر بشوق عودة الإيمان إلى جنباتها لتملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، وسيكون ذلك عندما نعود من جديد إلى محراب العمل والإنتاج، وعندما يعود التاجر المؤمن إلى الميدان يبيع ويشتري بأمانة ويربح بعدل ويعطي كل ذي حق حقه. وعليه لا بد لنا كرجال أعمال وتجار أن نعي دورنا المطلوب ثم المساهمة في تغيير عالم الأعمال.
يوسف عواودة – مدير جمعية إمار للتنمية والتطوير الاقتصادي